في أكتوبر الماضي (التشريعية والرئاسية) بل وأيضا باعتبار القدرة الذاتية لمكونات المشهد السياسي من قدرة على حبك الخطط والاستراتيجيات..
لقد خسرت الحركة الإسلامية الانتخابات الرئاسية وانسحب مرشحها – عبد الفتاح مورو – منذ الدور الأول ثم تقدمت نسبيا في الانتخابات التشريعية ولكن تراجعا كميا ونوعيا في الجسم الانتخابي ما فتئ يتأكد من انتخابات إلى أخرى ثم تم إسقاط الحكومة التي رشحتها ودعمتها (؟) في سابقة فريدة من نوعها منذ الثورة إلى اليوم وعادت المبادرة السياسية إلى رئيس الدولة لترشيح الشخصية الأقدر على تشكيل الحكومة .. ولكن وعندما كانت حركة النهضة في حالة دفاعية واضحة استطاعت واستطاع رئيسها الذي أصبح رئيسا لمجلس نواب الشعب أن يستعيد تدريجيا المبادرة السياسية بدهاء غير معتاد وبالاستفادة القصوى من الأخطاء المتكررة للثنائي قيس سعيد والياس الفخفاخ اللذين أظهرا سذاجة سياسية وعدم قدرة على مجاراة النسق الذي فرضته حركة النهضة على مشاورات تشكيل حكومة الفخفاخ.
لعلّ المظهر الأول للسذاجة الغريبة للثنائي قيس سعيد والياس الفخفاخ الاعتقاد بأن المرور بقوة ممكن بمجرد عودة المبادرة إلى رئيس الجمهورية إذ عيّن الشخصية التي أراد ثم أعرب المكلف في أول ظهور له بأن حكومته المرتقبة ستسير على «نهج الرئيس» وبحزام سياسي يستثني كل من لم يدع للتصويت لقيس سعيد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، وتم هذا الإعلان في أول ندوة صحفية بثقة القادر على فرض واقع جديد وعلى تغليب اللحظة الرئاسية على اللحظة البرلمانية بل وشبه إلغائها بالجملة وأن كل مكونات حزامه السياسي المفترض ستنصاع صاغرة إمّا طمعا في تقاسم الحكم أو خوفا من انتخابات برلمانية سابقة لأوانها غير مأمونة العواقب لأحد..
وهنا لعبت حركة النهضة مقابلة شطرنج بدأت بدفع بيدق «توسيع المشاركة السياسية» فاعتقد الثنائي سعيد والفخفاخ أن «الشيخ» يمزح وانه يريد فقط تحسين شروط التفاوض فلجأ إلى حيلة هجومية تمثلت في تقدم عشوائي نحو الخصم والترويج لفكرة أن دعوة خمسة أحزاب (الاتحاد الشعبي الجمهوري ومشروع تونس والبديل وآفاق ونداء تونس) لا تصل مجتمعة إلى 15 نائبا بالإضافة إلى «الحزام السياسي» الأصلي (النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وائتلاف الكرامة ) يحقق بالكامل هذا التوسيع بل وينجز على الأكبر أكبر ائتلاف سياسي ممكن ويستجيب لحكومة «الوحدة الوطنية» التي نادت بها حركة النهضة.. وظن هذا الثنائي ومن يتولون تقديم «النصيحة» لهما أن هذا الهجوم «الكاسح» سيربك الدفاعات النهضوية ويسلبها بصفة نهائية حجتها الأصلية.
ولكن جاء عكس الهجوم النهضوي مباغتا وسريعا : لا حكومة دون مشاورات مع الجميع، أي بما في ذلك قلب تونس وقيادته السياسية، وأن هذا الشرط النهضوي ليس للتفاوض وحكومة الفخفاخ، أو غيره لن تمر دون الرضوخ لهذا الشرط.. هذا ما قالته على امتداد الأيام الأخيرة تصريحا أو تلميحا ،كل القيادات النهضوية التي نزلت بثقلها في مختلف وسائل الإعلام وتم تتويج هذا الهجوم المركز على الملك والوزير معا يوم أمس بحوار راشد الغنوشي على أمواج إذاعة موزاييك الذي أداره بحرفية كبيرة الزميل بوبكر بن عكاشة إذ لم يكتف رئيس الحركة الإسلامية ومؤسسها ورئيس مجلس نواب الشعب بوضع نقطة نهائية لإستراتيجية الوزير (إلياس الفخفاخ) بإجباره –موضوعيا- على التراجع الجوهري إلى الوراء أو مغادرة «الرقعة» نهائيا وترك الملك (قيس سعيد) وحيدا ، ولكن الغنوشي أضاف إلى هذا الهجوم القاتل على الوزير توجيه جملة من الضربات الموجعة (الكشات) إلى الملك ذاته وإظهاره لعموم البيادق والفيلة والأحصنة والارخاخ المتبقية على الرقعة كملك قليل الحيلة كثير الهفوات له اختيارات غير مجدية وخطط هجومية مفضوحة وضعيفة.
بطبيعة الحال واصل الوزير والملك في خطتهما الإنكارية وهما الآن بصدد طلب مقترحات إسمية من أحزاب «الحزام السياسي» لتشكيل حكومة على نمط بات مستحيلا .
الأساتذة الكبار في لعبة الشطرنج يعلنون طواعية عن هزيمتهم منذ بواكيرها الأولى أما الهواة المبتدئون فتراهم يصارعون طواحين الهواء ويمنون النفس بهبة من السماء او بخطإ فادح من الخصم لربح مقابلة تدل كل المؤشرات ومنذ البداية على أنها خاسرة .