مؤشرات عديدة تدل انه ورغم الروزنامة الضاغطة فقد يتجاوز عدد المترشحين لقصر قرطاج ما سجلناه سنة 2014 (63 ترشح قبل منها 27).
هنالك اليوم أكثر من 15 شخصية ما بين حزبية ومستقلة قد عبرت بصيغ مختلفة إما عن ترشحها لرئاسة الجمهورية أو عن تفكيرها في ذلك والأرجح أن تتقدم لهذا السباق كل الشخصيات الحزبية الوازنة والتي تريد لنفسها ولأحزابها خوض غمار هذا المارطون الانتخابي من بدايته (الدور الأول للرئاسية) إلى نهايته إن أمكن (الدور الثاني) مرورا بموعد لا يقل عن الرئاسية أهمية وهو الانتخابات التشريعية ..
ضغط الروزنامة سيولد نتيجة عكسية طبيعية وهي الحرص على الوجود في السباق الرئاسي لكل الشخصيات المعنية بالتشريعية علاوة على ما أضحى تقليديا عندنا من ترشحات المستقلين بعضها جدي وجلها فولكلوري .
تكتسي الانتخابات الرئاسية في 2019 أهمية بالغة تتجاوز بكثير حجم وأهمية المنصب والصلاحيات المرتبطة به دستوريا،فلن نكون فقط أمام القائد الأعلى للقوات المسلحة ومهندس الديبلوماسية التونسية بل وكذلك امام من سيعيد تشكيل الخارطة السياسية حوله بشكل كبير حتى وإن كان الفائز في الاستحقاق من المستقلين وقد يتوفر لساكن قرطاج الجديد من هامش لعبة سياسية ما لم يتوفر لسلفه الراحل المغفور له الباجي قائد السبسي رغم الدهاء السياسي لهذا الأخير ورغم أن انتصاره قد تزامن مع انتصار حزبه في التشريعية ولكن رأينا جميعا أن تحكمه في اللعبة السياسية ضعف كثيرا عندما فقد أغلبيته النيابية ..
نرجح أن وضع الرئيس القادم سيكون مختلفا لا لنقص في حيلة سلفه بل لتغير الظروف وخاصة لتقدم الدور الأول للرئاسية على التشريعية بثلاثة أسابيع كاملة مما سيعطي للمؤهلين إلى الدور الثاني وخاصة صاحب الحظ الأوفر فيها إمكانية كبرى لتوجيه تصويت الناخبين للبرلمان الجديد..
هذا الوضع هو الذي سيدفع بكل الزعامات السياسية إلى محاولة التواجد الجدي في منافسة الدور الأول لأن من لم يتقدم له سيحرم حزبه من الحضور السياسي على امتداد الشهر ونصف الشهر الذي يفصلنا عن موعد 15 سبتمبر (الدور الأول للرئاسية ) ولأن كل الاهتمامات على امتداد شهر أوت والنصف الأول لشهر سبتمبر ستكون مركزة أساسا على هذا السباق بما سيقلص حتما حضور التشريعية في النقاش العام وفي اهتمام المواطنين بها .
من هنا تتضح خطورة الرهان لجل الأحزاب المتنافسة والتي تريد أن تلعب دورا هاما في البرلمان الجديد،فكلها أضحت مضطرة للتواجد بشكل أو بآخر في السباق الرئاسي وجلها ستخسر كثيرا من منافسة لن تبتسم إلا لشخصيتين على الأقصى ليوم 15 سبتمبر ونتائج الزعامات الحزبية في 15 سبتمبر ستؤثر بعمق على نتائج الأحزاب في 6 أكتوبر فالفائز في 15 سبتمبر سيرفّع حتما من حظوظ حزبه إما المنهزم فقد ينهار معه حزبه إلى حد التلاشي أحيانا.
صحيح أن وصول مستقل او مستقلين إلى الدور الثاني قد يغير من هذه المعادلة ويجعلنا في وضعية فيها بعض الغرابة : انتصار أولي لشخص لا وجود له كقوة حزبية على الميدان وهذا سيكون له مآلان اثنان لا ثالث لهما : أما أن المستقل المنتصر له من الطموح السياسي ما سيجعله يجمع حوله ما يسمى بالأغلبية الرئاسية والتي ستتكون من الأحزاب والائتلافات التي تعلن صراحة عن دعمها له وحينها سيدخل ديناميكية غير مسبوقة على المشهد السياسي ام أن هذا المستقل والذي قد يفوز حتى في سباق النهائي لا طموح حزبي له ولا ينوي البتة غمس يديه في المعترك السياسي فسنعيش حينها وضعا مختلفا مفاده الابتعاد التام لرئيس الجمهورية المنتخب عن المعترك السياسي وعن صراعاته وخصوماته وكذلك على مقتضيات تسيير الجهاز التنفيذي في تكامله وعندها قد تكون لنا صورة عاكسة لروح الدستور لم تتوفر شروطها في 2014 نظرا لكون الرئيس المنتخب آنذاك كان هو زعيم الأغلبية البرلمانية ومهندس سياسة التوافق مما جعله عنصرا أساسيا في الإدارة العامة لشؤون البلاد إلى حدود السنة الأخيرة من حكمه..
ولنجزم منذ الآن بأن تأثير الرئاسية لن يقتصر على هذا الحد ،على أهميته البالغة، بل سيعيد توزيع الأوراق حتى على المنهزمين في الدور الأول إذ ستكون الصراعات متعددة الأبعاد .
من سيكون الأول في العائلة الوسطية ؟ ومن سيكون الأول عند معارضي منظومة الحكم هذه ؟ ومن سيتقدم على الآخر : حمة الهمامي أم منجي الرحوي؟ منصف المرزوقي أم محمد عبو؟
وسواء انتصر واحد من هؤلاء المتنافسين داخل عائلاتهم السياسية ام انهزموا جميعا فالمعارك بينهم ومن سيقدم على إخوته /الأعداء سيكون هاما لإعادة تشكيل لأهم هذه العائلات الفكرية والسياسية، والأكيد أن هذه الزعامات المتقدمة داخل عائلتها المخصوصة وحتى في صورة عدم نجاحها في المرور إلى الدور الثاني ستدعو بداية من يوم 16 سبتمبر عائلتها الطبيعية إلى الالتفاف حولها باعتبارها الأقدر – وفق الناخبين – على التجميع.
لقد بدا موسم الهجرة إلى كرسي قرطاج بمعاركه الطبيعية للفوز وكذلك بمعاركه الخلفية لتحسين شروط التواجد في المؤسسة التشريعية وبالتالي في الحضور الحزبي والشعبي استعدادا للمعارك القادمة ..
الفرجة مضمونة ولاشك ولكن، هذه المرة، المقاعد محدودة للغاية.