يعتقد انه بالإمكان تأجيلها متجاهلين أن احترام دورية الانتخاب هو من جوهر الديمقراطية ولكن الاستعدادات الفعلية قد بدأت منذ مدة ولاسيما بعملية التسجيل والتي قد تكون تجاوزت 1.200.000 مسجل جديد ثم حمى سبر الآراء وما كشفته مختلف العمليات من تحولات ضخمة في المشهد لو تأكدت نوايا التصويت ، ولكن هنالك عنصرا إضافيا سيضفي نكهة خاصة على هذه المواعيد الحاسمة وهو الانتخابات البلدية الجزئية والتي انطلقت يوم أول أمس مع بلدية سوق الجديد بولاية سيدي بوزيد ..
لاشك انه ينبغي الحذر من إسقاط النتائج الأولية لهذه الانتخابات على المستوى الوطني ككل لأنها انتخابات محلية وصوّت فيها بالكاد ناخب من أصل ألف ناخب مفترض في الخريف القادم ، كما أن الاعتبارات المحلية تبقى قوية في مثل هذه الانتخابات .. ولكن لا يمكن ان نغفل عن البعد الرمزي الهام للتصويت في بلدية سوق الجديد ونحن على مشارف انتخابات عامة ..
ماذا تقول لنا انتخابات سوق الجديد عن الحالة الذهنية لجزء من المواطنين / الناخبين اليوم ؟
1 - الحماسة للذهاب لصندوق الاقتراع مازالت ضعيفة نسبيا اذ كانت نسبة التصويت في حدود %34 فقط متأخرة بحوالي 7.5% مقارنة ببلديات 2018
صحيح أن الانتخابات الجزئية هي دوما اقل جاذبية ثم إن شهر رمضان قد يثبط من عزائم البعض ولكن هذا يعني فقط أن السلوك الانتخابي مازال لم يتغير ربما لعدم إحساس الناخبين بمصيرية هذه الانتخابات الجزئية ، ثم لا ننسى بان المسجلين الجدد والذين بلغ عددهم 2349 في سوق الجديد لم يسمح لهم بالتصويت يوم الأحد الفارط، ففي المحصلة تبقى نسبة المشاركة متواضعة ولكنها ليست سلبية كذلك ..
2 - تراجع المستقلين فبعد أن كانت قائمة «البدر» المستقلة هي الأولى في 2018 بـ31.55 % نجد أن الأحزاب هي التي تقدمت نسبيا في 2019
3 - النهضة تحافظ على نفس وزنها الانتخابي (%15.16 في 2018 و%15.02 في 2019 )
4 - ظهور لافت للتيار الديمقراطي الذي تحصل على المرتبة الثانية بـ%11.83 في حين انه كان غائبا في 2018
5 - نداء تونس (شق سفيان طوبال) الذي تقدم تحت يافطة قائمة مستقلة «العهد « يحقق نتيجة أفضل من تلك التي حققها في 2018 (%11.06 مقابل %8.88)
6 - تحيا تونس يخفق في أول امتحان له إذ لم يجن سوى %7.98 من الأصوات وذلك رغم اندماجه مع حزب المبادرة الذي كان حاضرا في ماي 2018 وحقق آنذاك %12.76
في هذا الامتحان الأول قبيل الانتخابات العامة أكد التيار الديمقراطي انه بصدد التحول إلى حزب وازن في البلاد، وقد لمسنا بداية هذا التحول في بلديات ماي 2018 ثم جاءت الانتخابات الجزئية لسوق الجديد لتؤكده
أما حزب «تحيا تونس» فقد خرج الخاسر الأكبر من هذه الانتخابات الجزئية فهو لم يتمكن من تأكيد مقولة الحزب الذي ولد كبيرا مع اقترافه لمخالفات انتخابية تمثلت في توظيفه لوضعيته في الحكم ، توظيفا لم يؤثر على النتائج بحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي رفعت هذا الملف للقضاء ليبت فيه .
نحن أمام مذاق أولي للانتخابات العامة في الخريف القادم ، مذاق تنقصه توابل عديدة ولاشك إذ لا وجود لأحزاب سياسية هامة كالحزب الدستوري الحر والجبهة الشعبية وغيرهما وكذلك التحالفات القائمة بين مستقلين أو هذه العروض الجديدة غير النمطية التي كشفت عنها العمليات الأخيرة لسبر الآراء ، ولكن ما يبدو ثابتا هو أننا إزاء مشهد مشتت محليا ووطنيا ، مشهد قد يغيب عنه «الحزب الكبير» كما النهضة في 2011 أو الازدواجية القطبية (النداء والنهضة في 2014) لنصبح أمام أربعة أو خمسة أحزاب أو قائمات ائتلافية تتقاسم مشهدا ممزقا دون أغلبية واضحة للحكم..
على كل حال بعد الحلقة الأولى من سوق الجديد ستكون لنا حلقة ثانية يوم 14 جويلية في باردو ، حلقة نتوقع أن حمى الانتخابات فيها ستكون ارفع بكثير وقد تعطينا صورة أولية أكثر دقة لما يعتمل في العمق الانتخابي لتونس ..
وبعد ذلك ستكون هنالك انتخابات بلدية جزئية في السرس (الكاف) والعيون (القصرين) قبل موفى شهر أوت القادم، وقد لا تتوقف الحلقات التسخينية عند هذا الحد..
لقد بدأ المسلسل الانتخابي ، وكما في كل المسلسلات الفرجة مضمونة ولكن في الانتخابات البقاع دوما محدودة .
وانطلق مسلسل انتخابات 2019: في دروس سوق الجديد
- بقلم زياد كريشان
- 14:28 28/05/2019
- 2268 عدد المشاهدات
تفصلنا بالكاد أربعة أشهر عن بداية الانتخابات الوطنية العامة (6 أكتوبر للتشريعية و17 نوفمبر للدور الأول للرئاسية) ورغم أن بعضنا مازال