رسائل بريدية مسمومة تم ضبط 19 منها ولا يعلم هل تمكنت بعض هذه الرسائل من الإفلات من يقظة الفرق الأمنية أم لا ..
السؤال الذي يخيف كل التونسيين اليوم هو هل نحن أمام أشكال إرهابية مبتكرة وهل يعني هذا أننا أمام خطة إرهابية أكثر إحكاما ودمارا أم هل هي علامة ضعف وتراجع ولجوء إلى حلول يائسة بعد أن عجزت هذه الجماعات عن تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها ؟
هنالك مسألة بسيطة لا ينبغي أن تثير إشكالا يذكر وهي أن الجماعات الإرهابية مهما كانت حقيقة إمكانياتها المادية والبشرية وجاهزيتها كذلك إنما تعمل على هدف واحد وهو الاستعداد للقيام بعمليات إرهابية ذات مردودية إعلامية تدخل ، ما أمكن ، الاضطراب والفوضى في البلاد..
والواضح هنا أننا نعيش في فترة تراجع مهمة لهذه الجماعات الإرهابية تعود أسبابها إلى عوامل داخلية وهي قدرة قواتنا الأمنية والعسكرية على إيلام هذه الجماعات ومحاصرتها واختراق منظوماتها ، وهذا ما يفسر النجاح الأمني الأخير في إحباط عملية توجيه هذه الرسائل المسمومة ولكن لا ينبغي أن ننسى أن الضربات المتتالية التي تلقاها التنظيم الإرهابي داعش في العراق وسوريا بالأساس قد اضعفت كثيرا من جاذبيته لفئة معينة من الشباب وبيّنت لبعض المتحمسين منهم أن «دولة الخلافة» وهم وخدعة وكابوس..
هنالك إذن معطيات محلية ويقظة ونجاحات أمنية مع معطيات إقليمية ودولية تجعل من المخاطر المرتفعة جدا للإرهاب بصدد التراجع ولكن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الإرهاب قد انتهى أو أن مخاطره قد انتهت..
إلى حد الآن لا نعلم بالضبط ما هي المادة السامة التي عمدت إليها المجموعات الإرهابية وهل أنها تقليدية الصنع أم انها من الصنف المتطور كتلك التي تم استعمالها في الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ، ولكن المهم على كل حال انه لا ينبغي مطلقا الاستخفاف بالخطر الإرهابي وذلك أيا كانت الوسائل التي يعمد إليها ، وهذا يعني أن ندرك نهائيا أن حربنا ، أو بالأحرى حروبنا ، ضد الإرهاب مازالت لم تنته بعد ومازالت هنالك في بلادنا جماعات مسلحة وخلايا لوجستية وعدة آلاف من الشباب يستهويهم الارهاب السلفي الجهادي المعولم ولكن هنالك خطر داهم لا ننتبه إليه دوما وهو تلك الدوائر من الإرهاب «لايت» أي كل دوائر التطرف التي تبرر الإرهاب وتدافع عنه وتهوّن من أمره وتعتبر التطرف الديني وجهة نظر محترمة..
دوائر التطرف والتي رأينا نماذج منها عندما شنت تلك الحرب الهوجاء ، على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة ورأينا كذلك رموزها في الدفاع عن محتشد الرقاب ، هذه الدوائر هي التي تحمي مجتمعيا الجماعات الإرهابية وتسعى بصفة ملتوية لتبييض الإرهاب عبر بوابة التطرف الديني..
لا جدال في ان بلادنا تشهد منذ سنة 2014 سلسلة من النجاحات الأمنية تتخللها أحيانا ضربات إرهابية موجعة وهذه النجاحات هي التي تدفع الجماعات الإرهابية الى حلول يائسة وغير ذات فاعلية ولكن ما لم تتحصن بلادنا ضد التطرف الديني وما لم تكن لدينا سياسات اجتماعية وثقافية واقتصادية تدمج كل جهات البلاد وتزرع الأمل في شبابنا سيبقى للإرهاب بعض الجاذبية لأنه يقتات من فشلنا الجماعي ..
حربنا ضد الإرهاب مازالت متواصلة ونجاحاتنا فيها أكيدة ولكن لا ينبغي أن تضعف من قوة انتباهنا ويقظتنا ولكن مازلنا نحتاج إلى إستراتيجية متكاملة يتظافر فيها الأمني مع القضائي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنفسي حتى نجتث هذه الآفة بصفة نهائية ..
الإرهاب مآله الزوال حتما ولكن نريد أن نحّد إلى الأقصى من كلفته البشرية والمادية..