الانتخابي داخل الأحزاب والتحالفات والتكتلات وحتى القائمات المستقلة حول ترؤس القائمات والمواقع التي قد ترشح أصحابها إلى قبة باردو. وتفيد التجربة التونسية بأن هذه المعارك ساخنة حتى وإن تمكنت بعض التشكيلات من إبقاء صخبها داخل جدرانها ، وبعد ذلك ستكون المرحلة الانتخابية، فالحملة الانتخابية وسيحصل التداخل – كما كان الشأن في 2014 - مع الانتخابات الرئاسية التي ستطغى على المشهد خلال شهري أوت وسبتمبر القادمين ليعود الاهتمام في الأسابيع الأخيرة بالانتخابات التشريعية وبالصراع ، هذه المرة، بين مختلف الأحزاب والائتلافات المتنافسة ..
يقول المنطق السليم بأن الجزء الأكبر من الاستعداد لهذا الموعد الحاسم قد حصل أو هو بصدد الاستكمال من جهة المترشحين المتنافسين ولكن نظرة سريعة للمشهد السياسي اليوم تفيد بأن هذه الاستعدادات متفاوتة للغاية حتى عند أولئك الذين يريدون لعب أدوار هامة أثناء الانتخابات وبعدها ..
• لا مناص من الاعتراف بأن وزن الحركة الإسلامية ظل مستقرا منذ الانتخابات التشريعية في خريف 2014 . فتصدر النهضة للمشهد في بلديات 2018 وفي كل عمليات سبر الآراء لنوايا التصويت إلى اليوم لا يعود إلى صعود الإسلاميين بل إلى التراجع المذهل للمنتصر في 2014 الذي خسر نصف قوته الانتخابية في أربع سنوات (من %37 في 2014 إلى %21 في 2018) وهو الآن في مستوى %15 وكل الدلائل تفيد بأن التراجع سيستمر وأن انخرام التوازن بين النهضة والنداء قد حصل بصفة جذرية ونهائية ..
ولكن تراجع نداء تونس لم يطلق يدي النهضة بل بقيت دوما في نفس النسب تقريبا والمرجح أنها ستحصد في الخريف القادم بين ربع الأصوات وثلثها ، وهذا المجال ينحاز إلى اليمين (%25) بقدر ازدياد نسبة المشاركة ووجود قوى مغرية للتصويت لفائدتها وينزاح يسارا (%33) في علاقة عكسية بهذين العاملين ..
ولو رسمنا تقديرا للحضور البرلماني للنهضة لقلنا – مع كل الحذر الواجب – انه قد يتراوح ما بين 60 و80 نائبا هذا لو لم يتم إقحام العتبة، فبعتبة بـ%3 قد تنضاف حوالي 10 مقاعد في حصيلة الحركة الإسلامية ..
• هنالك اليوم ثلاث معارضات بصدد الصعود النسبي وهي ، دون ترتيب ، الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي والحزب الدستوري الحر وتتواجد هذه الأحزاب حسب آخر عمليات سبر آراء نوايا التصويت ما بين %6 (للحزب الدستوري الحر ) و%10 (للتيار الديمقراطي ) وما بينهما الجبهة الشعبية بقرابة %9 وهذه النسب ، إن تأكدت ، ووفق النظام الانتخابي الحالي دون إدخال العتبة قد تعطي لكل من هذه الأحزاب كتلة برلمانية تفوق 20 نائبا وتجعل منها غدا قوى وازنة في المشهد..
وما يفسر التقدم النسبي لهذه المعارضات الثلاث هو وضوح هويتها مما ييسر لدى جزء من الرأي العام التماهي معها وأن يرى فيها بديلا منافسا لكل ائتلافات الحكم منذ سنة 2011 فالجبهة يسار راديكالي اجتماعي والتيار معارض شرس للفساد والحزب الدستوري الحر معاد بصفة كلية للاسلام السياسي ولا يعترف له بحق الوجود القانوني ولكل هذه التيارات أنصار وقاعدة انتخابية ، ولعل ضعف وضوح الهوية السياسية والفكرية للمعارضات الأخرى هو الذي لم يسمح لها بالبروز الكافي و إيجاد هذا التميز الذي طبع الأحزاب الثلاثة التي ذكرنا..
• بين النهضة وهذه المعارضات هنالك جملة كبيرة من الأحزاب والتحالفات كلها تتموقع في الوسط أو بالأحرى من وسط اليمين إلى وسط اليسار.. لقد هيمن نداء تونس على هذا الفضاء انتخابيا في خريف 2014 ولكن تراجعه المستمر فتح مجالا واسعا لأصوات أخرى تريد كلها وراثته وخاصة وراثة قاعدته الانتخابية الواسعة ..
يبدو أن اكبر عدو لنداء تونس هو نداء تونس ذاته وقيادته الحالية الملتفة حول نجل المؤسس.. لا احد يستطيع فهم إصرار حافظ قائد السبسي على تحطيم ما أسسه الباجي قائد السبسي خاصة انه يعتقد بصنيعه انه هو الوحيد المؤهل للمحافظة على «الشقف» ..
صحيح أن «الشقف» مازال بيد النجل ولكنه «شقف» افرغ بصفة شبه كلية من جل مكوناته وقواه الحية ..
الواضح اليوم ان أهم «حليف» للحزب الجديد لرئيس الحكومة «تحيا تونس» هو النداء الحالي الذي جعل اليأس يدب إلى اشد مناصريه، وأمام كل أزمة ندائية جديدة استفادة واضحة لـ«تحيا تونس» دون بذل جهد يذكر..
يلاحظ المتابع للحياة السياسية اليوم أن «تحيا تونس» بصدد تحقيق اختراق سياسي ملموس وأصبحت له جاذبية لا تنكر داخل ما يسمى بالعائلة الوسطية ولكن هذا لا يعني ضرورة تقدما انتخابيا..
ولا يعني كذلك أن ناخب النداء في 2014 سيتجه ضرورة لهذا التحالف الجديد الذي هو بصدد التكون حول «تحيا تونس» مع مشروع تونس والمبادرة وربما أيضا البديل ، والفكرة الأساسية من وراء هذا التحالف الرباعي الجديد ، لو رأى النور، هو القول للناخبين بأننا أصحاب تجربة في الحكم وأننا الأقدر من غيرنا على انجاز إصلاحات سريعة بإمكانها تحسين ظروف حياة الناس ..
ولكن هذا الرباعي لا يشتغل في ساحة فارغة ، فالنداء مازال موجودا رغم تراجعه الكبير وثمة مبادرات متعددة كالتحالف القادم بين المسار والجمهوري والحركة الديمقراطية وحزب المستقبل من جهة وحزب بني وطني لسعيد العايدي الذي يريد أن يشق طريقه في هذه الضوضاء كما أن هنالك العديد من المبادرات من مستقلين وسياسيين قصد ملئ الفراغ الذي سيتركه حتما تراجع نداء تونس ..
هنالك فرضيتان اثنتان لا ثالثة لهما وهي إما أن يستولي حزب أو تحالف على القسط الأكبر من القاعدة الانتخابية الندائية أو تتناحر كل هذه التشكيلات بما يضعفها جميعا ويجعلها مشتتة وممزقة سياسيا اليوم وانتخابيا غدا ..
• وتبقى رغم كل ذلك مسائل مجهولة اليوم وأهمهما اثنتان : هل سيطلق الباجي قائد السبسي مبادرة جديدة قصد إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ وهل سينخرط اتحاد الشغل فعلا في الانتخابات القادمة كما اكدت ذلك قياداته؟ وفي هذه الحالة كيف ستكون مشاركته وهل ستغير من هذا المشهد أم لا ؟
مشهد فيه الثابت والمتحول ولكن تسارع الزمن قد لا يسعف الجميع وقد يدفن بصفة نهائية طموحات وزعامات وأحزابا وتحالفات ..
الأسابيع القادمة ستحدد جزءا من مستقبل البلاد في الخماسية القادمة..