على خلفية مستجدات ملف «التنظيم السري»: بين حذر القضائي وتوظيف السياسي

منذ يوم 2 أكتوبر أخذت مسألة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي منحى جديدا بفضل جملة المعطيات التي دفعت

بها هيئة الدفاع عن الشهيدين إلى الإعلام ، والعنصر الجديد الأساسي هو وجود «تنظيم سري» أو «تنظيم خاص» له وشائج معينة مع بعض قيادات حركة النهضة وقد لعب دورا هاما في جملة من القضايا الاستخباراتية والإجرامية ومن بينها اغتيال الشهيدين .. وأكدت حينها هيئة الدفاع بأن جملة من الوثائق المدينة لهذا «التنظيم الخاص» موجودة بغرفة سوداء بوزارة الداخلية .. خبر سرعان ما كذبته وزارة الداخلية لتثبت بعد فترة قليلة صحة هذه المعلومة فأقدم قاضي التحقيق رقم 13 المكلف بملف اغتيال الشهيد محمد البراهمي على حجز كل ما تحتويه هذه الغرفة بعدما تأكد لديه وجودها ،وها أن نفس قاضي التحقيق يتهم «مصطفى خذر» بالقتل العمد في قضية الشهيد البراهمي وقد سبق لهيئة الدفاع أن أكدت في ندوتها الصحفية في 2 أكتوبر أن مصطفى خذر عنصر فاعل في التنظيم السري وان الوثائق الموجودة بالغرفة السوداء ، وبعضها من أرشيف وزارة الداخلية ، قد تم جلبها إلى الوزارة بصفة مشبوهة وحسب هيئة الدفاع في ندوتها الصحفية ليوم الخميس 10 جانفي الجاري فان الوثائق المحجوزة تثبت انتماء المتهم لحركة النهضة بدليل وجود وثيقة حضورية للمعني بالأمر في مؤتمر الحركة في 2012 كما تضمن وثائق عديدة تهم الحركة الإسلامية ..

أما إستراتيجية الدفاع التي عمدت إليها حركة النهضة إلى حد الآن فقد بدأت بإنكار كلي وشامل لوجود تنظيم سري في أي لحظة من لحظات تاريخها ثم أقرت به ضمنيا مع التأكيد على أنه تم التخلي عنه نهائيا في أواسط التسعينات ثم إنكار أي علاقة لها بالمدعو مصطفى خذر ونفى الشخص الثاني فيها ، علي العريض ، وزير الداخلية في 2012 ورئيس الحكومة في 2013 وجود غرفة سوداء أو زرقاء أو حمراء في وزارة الداخلية ، ولكن في كل مرة يتم فيها تقديم معطيات جديدة تترنح الحركة وتسعى للتملص من الأجوبة المباشرة وتفضل الهجوم السياسي على الخصوم ولعب دور المظلومية على مجابهة الأسئلة الدقيقة والفعلية الموجهة إليها ..
يبدو أن مصطفى خذر القابع اليوم في السجن بتهم لا علاقة لها بالإرهاب يختزن جملة من الأسرار لم تنكشف بعد والمرجو أن يكون توجيه التهمة لمصطفى خذر مدخلا لكشف كل الشبكة المتورطة سابقا ولاحقا في جريمتي الاغتيال وخاصة في تكوين وفاق إجرامي ، هذا الذي نسميه تنظيما سريا أو جهازا خاصامع احتفاظ المعني بالأمر، كغيره، بقرينة البراءة إلى صدور حكم قضائي نهائي وبات..

لا يخفى على احد وجود شكوك كبيرة في أداء قضاة ومسؤولين إداريين وسياسيين في وزارة الداخلية سابقا أو حاليا ، ومسألة كهذه تتطلب قضاء ناجزا وعادلا وسريعا أيضا فلا يعقل أن تبقى مسألة «التنظيم السري» كسيف ديمقليس مسلطا على الحياة العامة لسنوات .. تونس وديمقراطيتها لا تتحملان أن يبقى ملفا بمثل هذه الخطورة دون حسم ..

المفروض في كل دولة تحترم مواطنيها ألا تبقى صامتة أمام قضية بمثل هذه الخطورة بدءا بكشف كل الحقيقة عن هذه «الغرفة السوداء» في وزارة الداخلية وكذلك بخروج ممثل النيابة العمومية ليقول لنا في كل فترة دون كشف أسرار التحقيق المعلومات العامة التي وصل إليها التحقيق..
صمت الأجهزة الرسمية للدولة هو الذي يغذي إمكانيات التوظيف السياسي هنا أو هناك وإمكانيات التلاعب بقضية عادلة لا تشوبها شائبة..
كيف يمكن أن نفهم تصرف وزارة الداخلية ومن ورائها الحكومة بأسرها عندما انكشف المستور واتضح للعموم وجود غرفة بوزارة أمنية سيادية فيها وثائق لا يعلم احد مصدرها سوى أنها كانت على ملك مصطفى خذر ووجدت بأحد مكاتب الوزارة بصورة تغيب عنها الشفافية الدنيا لكي لا نستعمل كلمات أخرى .. فهل أن هذا هو ثمن التحالف مع حركة النهضة ؟ !

ثم ها أن رئيس الدولة ومباشرة بعد نهاية «توافق الشيخين» يصبح متحمسا لكشف الحقيقة وفيما يشبه حالة تناغم مع هيئة الدفاع عن الشهيدين ولا يضيع فرصة لتسجيل أهداف ضد صديقه القديم أو «الابن العاق» الموجود على رأس تحالف شق عصا الطاعة..
ولا يفوت رئيس الدولة التدخل حتى في قضايا أخرى بتعلة اهتمام الهيئات الدولية بها وبإساءتها بصورة تونس كقضية صابر العجيلي ولكنه يتغاضى عن استنكار نفس هذه الهيئات عندما يستعمل حقه في العفو الخاص عن أصدقاء نجله ..
هنالك رغبة واضحة في إيجاد حالة من الضبابية والغموض السياسي والأمني يعتقد البعض انه بإمكانه الاستفادة منها في هذه السنة الانتخابية المحفوفة بالمخاطر .

الكرة اليوم هي في ملعب القضاء وهياكله الأساسية من مجلس أعلى للقضاء ، وقطب مكافحة الإرهاب وعلى القضاء أن يقوم بواجبه نحو الوطن بأن يتجاوز كل السلبيات والانحرافات التي شابت ملف اغتيال الشهيدين منذ بدايته .. وعلى مؤسسات القضاء أن تعهد بهذا الملف لمن لا يخضع في ضميره لأحد من الفرقاء السياسيين وان يجرّح في نفسه كل من لديه ميل الى زيد أو عمر ..
وهكذا فقط ، يحمي القضاء الانتقال الديمقراطي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115