ماذا لو لم يحصل اتفاق في الوظيفة العمومية؟ سيناريوهات ما بعد 17 جانفي!

كل المؤشرات المتوفرة لدينا إلى حد كتابة هذه السطور تفيد بأن لغة الحوار قد تعطلت بين اتحاد الشغل والحكومة

بشأن المفاوضات في زيادة أجور أعوان الوظيفة العمومية رغم التقارب النسبي الذي حصل بين الطرفين اثر ترفيع ثان للمقترح الحكومي زيادة بحوالي مليار دينار على سنتين بعد أن كان في حدود 400 مليون دينار ثم 700 مليون دينار (انظر التفاصيل في مقال دنيا حفصة)..
بعد أن تمكن الطرفان من الاقتراب نسبيا من بعضهما البعض في أواسط الأسبوع الماضي عادت الأمور إلى نقطة الصفر ، تقريبا ، وتمسك اتحاد الشغل بزيادات تضاهي ما حصل في المنشآت العمومية أي 1.5 مليار دينار على سنتين ..
اليوم تعطلت لغة الحوار بين الحكومة والمنظمة الشغيلة وأصبح الإضراب العام المقرر ليوم 17 جانفي الجاري مسألة تكاد تكون محسومة إلا بحصول مفاجأة في اللحظات الأخيرة ..

وفي الحقيقة مجال المناورة ضيق للغاية والمسألة لا تتعلق فقط بحجم الزيادة بل باحتمال تعطل الاتفاقية التي تربط الدولة التونسية بصندوق النقد الدولي والتي جاءت كل توصياته مؤكدة على ضرورة تراجع نسبة كتلة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي ..
لتوضيح الصورة نقول بأن اتحاد الشغل لا يدعو لقطع الصلة مع صندوق النقد إذ يعلم قبل غيره أن النتائج المباشرة ستكون كارثية على المدى القريب للغاية وان رفض الصندوق صرف جزء جديد في فيفري القادم سينجر عنه تعطل حوالي 8 مليار دينار من بقية المقرضين أي عجز شبه آلي للدولة عن الإيفاء بتعهداتها من خلاص الأجور ونفقات الدعم والتنمية وتسديد ديونها فلا توجد حكومة واحدة قادرة على الصمود أمام نقص غير مبرمج في خمس ميزانيتها .

ويبدو أن قيادة الاتحاد تعتقد بأن الحكومة متلكئة في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي وأنها لا تبذل الجهود الكافية لإقناعه بضرورة زيادة مجزية للموظفين ..
السؤال المطروح اليوم هو في ما بعد الإضراب العام لو حصل وهل أن الأمر سيقف عند هذا الحد أم سيتجاوزه إلى ما قد يشبه اللاستقرار السياسي والاجتماعي؟

هنالك السيناريو الأسوأ : إضراب عام متبوع بتحركات نقابية قطاعية وجهوية ووطنية ممتدة ومتواصلة قد تلتحم هنا أو هنالك باحتجاجات شبابية ينتج عنها استحالة الحكم وإجبار يوسف الشاهد على الاستقالة..
هذا هو السيناريو الأسوأ : لا لمستقبل رئيس الحكومة ، الذي قد يستفيد – نظريا على الأقل – من وضعية كهذه ولكن لتونس ولعموم مواطنيها وخاصة لموظفيها..

ماذا يعني سقوط حكومة بعد موجة من الاحتجاجات النقابية والشعبية ؟ يعني ببساطة دخول البلاد في فترة المجهول فيها أكثر من المعلوم بدءا بطريقة تشكيل حكومة جديدة ولكن أساسا في موقف مختلف شركاء تونس من دول ومنظمات دولية ..

كيف ستتصرف الحكومة القادمة ، على فرض سرعة تشكلها ، مع إمكانية نضوب الموارد الخارجية ؟ كيف ستتفاوض مع هذه الأطراف من اجل ضخ هذه السيولات الضرورية للسير اليومي لدواليب الدولة والتي تقدر في سنة 2019 بحوالي 8 مليار دينار من القروض الأجنبية ؟ هل بإمكانها تعويض هذه المبالغ؟ والأرجح أن لا أحد سيقبل بقيادة بلاد في هذا الظرف مع ما يعنيه ذلك من استحالة شبه عملية للسير العادي لدواليب الدولة وبالتالي يصبح تأجيل الانتخابات مسألة واردة جدا بما يهدد المسار الانتقالي كله ..
نعتقد أن احتمال حصول هذا السيناريو الأسوأ ضعيف اذ لا وجود لطرف سياسي أو اجتماعي جدّي يقبل بدفع البلاد نحو المجهول في سنة انتخابية مصيرية..
السيناريو الأوسط :

هو حصول توتر هام بين المركزية النقابية والحكومة وتحركات قطاعية وجهوية لمحاولة إعادة فتح باب التفاوض من جديد والاستجابة للحد الأدنى من المطالب النقابية وهذا سيفرض على الحكومة بدوره مراجعة جزئية لحساباتها الأولية من اجل إنقاذ السلم الاجتماعية دون الوصول الى قطيعة نهائية مع صندوق النقد الدولي .. كما ان الحكومة قد تظهر شيئا من الصرامة بقصد ربح الوقت والوصول إلى شهر رمضان (ماي القادم ) بأخف الأضرار معولة على سخط جزء من المواطنين على الاحتجاجات النقابية وفارضة بدورها شروط التفاوض على المنظمة الشغيلة التي تدرك في هذه الوضعية بأن الوقت لا يخدم مصلحتها وأنها لا تستطيع مواصلة وتيرة مرتفعة للاحتجاج مع اقتراب المواعيد الانتخابية وإلا لحمّلت مسؤولية إمكان افشال المسار الانتقالي .

ولكن في هذه الوضعية قد تضعف القدرة التفاوضية للمنظمة الشغيلة إذ بمرور الأيام وبنسق احتجاجي لا يهدد استمرار الحكومة يصبح انتزاع مكاسب إضافية أمرا شبه مستحيل ونصبح في وضعية تشبه إلى حد ما ما حصل في أواخر عهد المهدي جمعة الذي تشبث بعدم فتح باب المفاوضات وتركه للحكومة القادمة ..
ولعـل كـل هذه المخاطـر السياسيـة والاجتماعيـة قـد تدفـع طرفي النزاع في ما تبقى من أيام قبل يوم 17 جانفي إلى البحث عن

السيناريو الأفضل الذي لا يخرج فيه منهزم ومنتصر ، حل قد تقدم فيه الحكومة تنازلات طفيفة تسمح بتسويق لنجاح ما للطرفين في نفس الوقت وأنهما غلّبا الوفاق الاجتماعي والمصلحة الوطنية بما لا يتناقض والالتزامات الدولية لتونس والظروف الصعبة للمالية العمومية .
حل قد يدفع إليه رئيس الدولة لو تأكد بأنه سيخرج عرّاب هذا الاتفاق وقد تتكثف الوساطات خلال الأيام والساعات القادمة لتجنيب البلاد تصادما قد يأتي على التوازنات الهشة للبلاد.
17 جانفي 2019 ليس يوما كبقية الأيام وهذه الأزمة قد لا تفرز منتصرا ولو بالنقاط بل الأرجح ان يخسر فيها كلاهما ..

ولسنا ندري هل أن المواعيد الانتخابية القادمة ستكون حافزا إضافيا لإيجاد حل مرضي ام أن بعض الأطراف ستعمل جاهدة على تعكير الأجواء اعتقادا منها بأنها ستكون المستفيد الأبرز من تعكر أجواء البلاد..
ستعيش تونس أسبوع كل الرهانات والمخاطر أيضا ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115