في كيانه هو اعتقاده بتفوقه على غيره من الآدميين بحكم لونه أو دينه أو عرقه أو حضارته أو جنسه،وأغبى الغباء ما تعلق بلون البشرة ولقد تأسست على هذا ثقافات عنصرية عدة نبشت في غياهب الغباء البشري لتبرير تفوق جنس أو دونية آخر أو حتى مجرد استهجان المغاير والخوف منه وتحميله مسؤولية كل الشرور والآثام ..
في تونس درجنا على الاعتقاد الزائف بأننا مجتمع معتدل متسامح مع المغاير دينيا وعرقيا واننا ضحايا العنصرية ولم نكن ابدا من ممارسيها ولا أدل على ذلك من حسن معاملتنا لكل الأجناس والأصناف والألوان ..
المشكلة الأساسية في الغباء هي عدم الوعي به والتبرؤ من تبعاته وإنكار علاقتنا به ..
العنصرية ليست حكرا على ثقافة ما او شعب ما بل لا نكاد نجد ثقافة إنسانية واحدة بريئة منها بالكامل وكأنها نوع من أنواع تواصل البهيمية في العقل الباطني لهذا الحيوان العاقل ..
ما حصل في تونس اثر الجريمة النكراء التي ذهب ضحيتها فاليكو كوليبالي وما لمسناه من الم كل المقيمين في تونس من مواطني جنوب الصحراء يبعث على الخجل.. إننا لا نريد ان نرى واقعا تعيسا أمام أعيننا: اعتداءات لفظية وجسدية يومية يتعرض لها أفارقة جنوب الصحراء وهم في بلد أعطى اسمه للقارة الإفريقية برمتها..اعتداءات يكاد يكون تكررها وتكرارها الخبز اليومي للعديد من إخواننا جنوب الصحراء .. صحيح ان جل التونسيين لا يساهمون في هذه الاعتداءات وهذا قد يدفعهم إلى إنكار حدوثها أو الى التقليل من شانها ولكن حتى بالنسبة لغالبية هؤلاء لا يوجد وعي حاد بخطورة الاعتداء العنصري ولو كان ذلك لفظيا بل لعل جلنا لا يعي بأن مفردات تخاطبنا اليومي مشحونة بعنف رمزي عنصري ولكننا نعتبرها من باب المزاح المقبول رغم صبغتها التحقيرية خاصة لسود البشرة..
تحتفل تونس هذه الأيام بمرور ثماني سنوات على الحراك الثوري الذي ادى الى هروب بن علي وبالانتصار الأول للثورة التونسية ، ثورة الحرية والكرامة ، وحري بنا في هذه الأيام التي تبدو عصيبة على فئات عديدة من التونسيين أن نستشعر جميعا أن العنصرية هي النفي الكلي والكامل للحرية وللكرامة..
ان من يعتبر أن العنصرية مسألة فرعية لا تستحق منا كل هذا الجهد والعناء إنما يريد منا أن نضحي بإنسانيتنا وان ننغمس في الغباء إلى النخاع..
نحن نحتاج ولاشك لحرية تنتج كرامة فعلية لجموع التونسيين ولكن القيم لا تنقسم ولا وجود فيها لأولويات ولقيم ينبغي الدفاع عنها اليوم وأخرى لا مانع من تأجيلها أو حتى إلغائها ..
نحن في حاجة إلى عمل كبير على ذواتنا ، عمل يراجع مخزوننا الثقافي والقيمي اذ بذلك نؤسس شروط إمكان انبجاس مجتمع جديد..
الحقوق والحريات حزمة متكاملة فإما أن ننعم بها جميعا أو نكون قد شرعنا ، من غير أن ندري ، في التراجع عنها كلها ..