التشاؤم منذ مدة عتبة %80 ونرى ذلك أيضا عند الخاص والعام .. ولكن أمام هذا الاستياء العام والذي عادة ما يتحول إلى غضب خافت أو مزمجر هنالك سؤال أساسي لم نجب عنه بعد : ماذا نريد نحن معشر التونسيين ؟ !
وفي الحقيقة نحن قد أجبنا عنه فكل منّا يريد تحسين ظروفه الشخصية والعائلية والجهوية والوطنية ولكننا لم نتساءل البتة كيف يحصل هذا الرفاه المشترك ؟ وما هي سبله ؟ وما هي مسؤولية كل فرد منا فيه ؟
والحقيقة أيضا أنه لدينا في عمومنا ، نظرة سحرية للدولة ولطرق تسييرها نعتقد أنها شبيهة بالآلهة وأنها قادرة على تغيير الواقع بمجرد قرار أو الإعلان عن سياسة عامة وأنها هي فقط المسؤولة عن تغيير الواقع العام والخاص في آن واحد وبلمح البصر ..
بعبارة أخرى لدينا اعتقاد ما في مخيالنا الجماعي بأننا يمكن أن نزدهر نسبيا لو أغدقت علينا الدولة من خزائنها المملوءة ذهبا وفضة ونفطا ..
هذا هو المخيال المحرك لجل «قبائل» تونس اليوم وكلها تريد أن تقتطع من هذا «التنين» على حدّ عبارة الفيلسوف الانقليزي هوبس مستغلين ترنّحه الحالي وقبل ان يعود الى سالف قوته وجبروته ..
مازالنا نخال أن «الدولة» جهاز غريب عنا يمتص دماءنا ولا يعيد لنا منها إلا القليل ومازلنا نخال أن الإنفاق العمومي يأتي من السماء ومن مصادر لا نعلمها ولا نستحضر مطلقا أن المال العمومي الذي به ندفع رواتب الموظفين وجرايات المتقاعدين في القطاع العام وبه ندعم المواد الأساسية والمحروقات وننفق به على البنية التحتية .. مازلنا نعتقد أن مصدر هذا المال سحري وانه لا متناه ومازالت فكرة أن المال العمومي هو في جله ما يوفره دافعو الضرائب فكرة ضعيفة ضامرة لا نؤسس عليها لتعامل عقلاني مع هذا المال ومع إمكانياته الفعلية الآن وهنا ..
فكلما تحرك قطاع – وآخره قطاع التعليم الثانوي – وطالب بزيادات تعتبرها الحكومة (هذه أو التي ستليها ) مشطة إلا وجوبه الحكام بقناعة شبه دينية : المال موجود وما عليكم إلا البحث عنه عند المهربين أو المتهربين أو أن توظفوا ضرائب جديدة على الشركات الكبرى النفطية والبنكية وغيرها ..
مازلنا لم نقتنع بأن بلادنا فقيرة وأن اقتصادنا اليوم لا يصنع الثروة والقيمة المضافة بالصفة المطلوبة فترانا كلنا نريد اقتسام ثروة لم نخلقها بعد وإن لم يحصل ذلك نعود باللائمة على «المنوال التنموي» وعلى «شروط» صندوق النقد الدولي وعلى عجز الحكام بل وخيانتهم للبلاد..
الإشكال في هذا الخطاب الطاغي على جزء هام من الرأي العام ومن النخب انه يمنعنا من ولوج الحداثة الاقتصادية والاجتماعية المبنية بالأساس على العقلانية ،والعقلانية تعني أن الموارد – مهما عظمت – تبقى محدودة وأن تنميتها تتم بالعمل والجهد والاجتهاد والابتكار وأن توزيع ثروة لم تخلق إنما هو رديف الإفلاس..
والصراع هنا إن شئنا ليس بين محافظين وتقدميين بل بين العقلية السحرية القائمة على ثقافة ريعية واقتسام قبلي للغنيمة، والعقلانية القائمة على التقدير النسبي والجدي للموارد وللإمكانيات والتي تخطط لتنميتها وتضع لذلك شروطا وأهدافا وقوامها اعتبار أن الثروة يصنعها العمل والجد والاجتهاد والابتكار وان الشعب الذي يريد النهوض الفعلي عليه أن يستثمر في نفس الوقت في العاجل والآجل : ويكمن العاجل في الاستفادة القصوى من كل الإمكانيات المتاحة اليوم كالفسفاط والغاز والنفط بالنسبة لبلادنا وتطوير قدرات المؤسسة الاقتصادية على التنافسية واقتحام الأسواق العالمية والتحكم الجدي في توازناتنا المالية بايجاد حل نهائي لمعضلة توجيه الدعم لمستحقيه ، والاستثمار في الآجل هو الشروع في إصلاح جذري وعميق لمنظومتنا التربوية تجعل من التفوق المدرسي افقا متاحا لأكبر عدد ممكن من بناتنا وأبنائنا والإقدام على المشاريع الكبرى المهيكلة لتونس في أفق 2050 من تهيئة عمرانية وبنية تحتية ومرافق صحية ومدن جامعية تتوزع على كل جهات البلاد لتصبح كل معتمدية قادرة على خلق الثروة وجلب الاستثمار وتغيير المحيط ..
العقلانية هي مضاعفة بذل الجهد لتحقيق النمو المنجز للتنمية وهي المراهنة على المستقبل والاستعداد المشترك للتضحية اليوم من اجل الأجيال القادمة وتونس أفضل بفضل كد أبنائها وذكائهم واجتهادهم .. أما ثقافة الاحتجاج المستمر والمطلبية التي لا تتغذى إلا من المطلبية ذاتها فلن تنجح الا في تفكيك ما بقي من أواصر عيشنا المشترك ..
السؤال فعلا هو ماذا نريد نحن كأمة وكشعب وكدولة، وان نضع الخطط الآنية والآجلة لتحقيقه، أما انتظار أن تمطر السماء ذهبا أو فضة أو نفطا اما بالاحتجاج أو بالخنوع فلن يؤدي بنا إلا لمزيد الفقر وانعدام الأمل عند الشيب والشباب ..
ماذا نريد ؟ ولكن قبل شيء ما نحن مستعدون لبذله حتى نحقق ما نريد ..
ذلك هو السؤال كما قال شكسبير ..
ماذا يريد التونسيون ؟ !
- بقلم زياد كريشان
- 13:45 04/12/2018
- 2116 عدد المشاهدات
التونسيون غير راضين بالمرّة على الطريقة التي تساس بها البلاد وتدار...نرى ذلك في عمليات سبر الآراء حيث تتجاوز نسبة