قائد السبسي والشاهد والغنوشي: في استراتيجيات أصحاب السلطة

اليوم الصراع على أشده بين مكونات السلطة الأساسية في البلاد .. صراع مفتوح بين رأسي السلطة التنفيذية منذ

أكثر من نصف سنة ، صراع يتفاقم من يوم إلى آخر وحرب بين «الشيخين» بدأت باردة وهي الآن مستعرة ولا يبدو أنها ستنطفئ في القريب..
ما هو الدافع الرئيسي لكل هذا ؟
الواضح أننا أمام صراع سلطة ونفوذ وحرب مواقع استعدادا لأم المعارك في نهاية السنة القادمة .. ولكن إن كانت الدوافع واحدة فإن المحركات مختلفة باختلاف استراتيجيات البقاء في الحكم .

• يبدو أن المحرك الأساسي اليوم للباجي قائد السبسي هو أن يثبت للجميع انه لم ينته سياسيا وأن جزءا هاما من خيوط اللعبة مازالت بين يديه وأن «خيانة» الشيخ و«نكران الجميل» الذي اقترفه الابن الضال سوف يجد ردا مدويا لم يتوقعه «الشيخ» ولم يستعد له «الابن الضال»..إستراتيجية رئيس الجمهورية ونحن قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات العامة هي أن يلقي بالنهضة من جديد في خانة «العدو» بعد ان كانت الحليف المبجل طيلة أربع سنوات ..
البراغماتي الباجي قائد السبسي لا ينطلق من مواقف عقائدية نهائية بل من تقدير لموازين القوى ولما يمكن استغلاله في الظرف السياسي الراهن من أجل تحقيق أهدافه ، وهدفه الأول اليوم بكل وضوح هو المحق السياسي ليوسف الشاهد ولمشروعه الوليد .. فلابد أن يلقن الابن الضال درسا لن ينساه بقية حياته .
والاستراتيجيا هنا واضحة : تقديم صاحب القصبة وصحبه كجماعة متكالبة على الحكم همّها الوحيد البقاء فيه بكل ثمن وإن لزم ذلك التحالف مع «الشيطان» فكل مناسبة ستكون مفيدة لإظهار تهافت الشاهد ومشروعه وانه لا يملك حلولا للتونسيين وأن تحالفاته مشبوهة وانه انقلابي بطبعه إما في السياسة او حتى في علاقة بالاعتبارات الأمنية كما يفهم من الدعوى التي رفعها سليم الرياحي الأمين العام لحزب النداء ..
ونحن نراهن بأن المحاولات من هذا الصنف ستتكرر في الأسابيع والأشهر القادمة والهدف منها الإضعاف المستمر للشاهد ..
ولكن الإحراج الأهم والأكبر لصاحب القصبة هو الاستهداف المستمر لحركة النهضة إما بملف «الجهاز الخاص» المفترض للحركة الإسلامية أو بمشروع قانون المساواة في الميراث أو بكل ما ستجود به الساحات السياسية والإعلامية والقضائية في الأسابيع القادمة .. والمقصود بهذا الاستهداف المستمر ليس إضعاف النهضة فقط – وإن كان هذا الهدف مقصودا أيضا – ولكن القضاء على إمكانية بروز فضاء سياسي بين النداء ورئيسه الفعلي الباجي قائد السبسي وبين حركة النهضة وهذا يستدعي الإعداد لجبهة سياسية واسعة معادية للنهضة تذهب من التيارات الدستورية إلى تيارات وسط اليسار بما يسهم ، حسب هذا المخطط ، في عزل مشروع يوسف الشاهد منذ انطلاقته الأولى ..

• أما صاحب القصبة فحساباته تقوم بالأساس على إظهار القدرة على الصمود وعلى البقاء والتعويل على هذا لجلب كل ما يمكن جلبه من النداء التاريخي باعتبار أن الباجي قائد السبسي يمثل الماضي وأن وريثه السياسي الفعلي ، أي الزعيم القادر على توحيد العائلة الوسطية ، إنما هو يوسف الشاهد ولا غير يوسف الشاهد.
لقد نجح رئيس الحكومة جزئيا في هذا المسار ولكنه يواجه اليوم تسونامي لم يكن يتوقعه بالمرة وهو هذه العداوة الكبيرة بين رئيس الدولة والنهضة، عداوة تفرض على الجميع التموقع وخاصة في قضية «الجهاز السري» وهذا ما يحرج الشاهد ومشروعه السياسي أيّما إحراج ، لا باعتبار الشاهد وأصدقائه متسترين على الملف ولكن لم يكونوا ينتظرون بأن يحتل كل هذه الأهمية وبأن يعيد توزيع الأوراق السياسية وأن يفرض على الجميع التموقع إما مع النهضة و«تطفية الضوء» على هذا الملف أو ضدها واعتبار أن كشف الحقيقة في هذا الملف هي أولوية الأولويات اليوم ..
ولعل هذا الاضطراب في إعادة ترتيب أولويات الشاهد ومشروعه هو الذي دفع بكتلة الائتلاف الوطني إلى الإعلان عن بداية تشكيل حركة سياسية تنسب بوضوح للمرة الأولى لرئيس الحكومة .. حركة يبدو أنها ستنطلق فعليا في جانفي القادم ..
ولكن السؤال المركزي اليوم هو هل سيبقى زعيم هذه الحركة الجديدة في القصبة ؟ وهل بإمكانه أخلاقيا وسياسيا تبرير زعامته لحركة سياسية جديدة وهو مازال في موقع الحكم ؟ ألا يعد هذا توظيفا غير نزيه لموقعه في الدولة لكي يمثل منصة انطلاق لمشروعه السياسي المخصوص ؟
ثم إن استقال يوسف الشاهد في هذه الأسابيع القليلة القادمة فكيف سيبرر تمسكه بالقصبة كل هذا الوقت تحت مسمى «الاستقرار الحكومي»؟
يوسف الشاهد يعرف اليوم أولى الصعوبات الجدية في الطريق الذي نسجه لنفسه ويبدو انه لم يحدد بعد الخطة العملية الملائمة لكي يتمكن مشروعه من المنافسة الجدية في الانتخابات القادمة ..
إستراتيجية الصمود والبقاء التي نجحت إلى حد اليوم لا تكفي بالمرة لإستراتيجية إقناع التونسيين بجدية مشروع الشاهد لانجاز غدا ما لم يتمكن من انجازه طيلة هاتين السنتين ونيف ..

• أما، الطرف الثالث ، حركة النهضة فهي في وضع لا تحسد عليه لقد أسست حركة النهضة إستراتيجية تواصلها في الحكم ، ولو من المواقع الخلفية ، منذ 2013 على ما تسميه بـ«التوافق» والذي كان عنوانه الأبرز الباجي قائد السبسي الزعيم الأهم لمناهضي حكم الترويكا ولكن عندما قدرت حركة النهضة بان الزمن السياسي للباجي قائد السبسي قد ولى وانتهى وان «التوافق» لا يمكن أن يستمر مع القيادة الحالية للنداء وظنت انها وجدت في يوسف الشاهد العنوان الجديد لهذا التوافق لم تكن تتوقع أن تتحرك الرمال تحت اقدامها بمثل هذه السرعة وان تخرج الى النور لأول مرة بوضوح كبير وأدلة جديدة مسألة الجهاز الخاص أو التنظيم السري وان يصبح حديث القاصي والداني وان يتلقفه رئيس الدولة ذاته وان يتحول الى مشغل من مشاغل مجلس الأمن القومي وغدا ، على الأرجح، جهة قضائية مختصة .. كل هذا حصل والحركة الإسلامية تشعر بأنها مهددة لا في حدودها فقط بل وفي وجودها أيضا وأمام هذه الأزمة الأكبر التي تمر بها منذ خروجها من الحكم لم تجد في حليفها الجديد السند الكافي والضروري لحمايتها بل وجدت نفسها معزولة تقريبا وزادت من عزلتها الإستراتيجية الإنكارية لكل قياداتها ..
لا ندري هل ستدفع هذه المعطيات الجديدة النهضة الى مراجعة حساباتها وتحالفاتها أم أنها ستراهن بكل قوة على فترة ما بعد الباجي قائد السبسي ..
المهم على كل حال ان الصراع بين الأطراف الأساسية في الحكم اليوم قد بلغ مستوى غير مسبوق وانه متحول بسرعة فائقة يستحيل معها التنبؤ بمجرياته القادمة ..
ما يرجوه جلّ التونسيين هو ألا يعطل هذا الصراع المسار الانتقالي وان يجد حله السياسي في صناديق الاقتراع فقط لا غير ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115