انتظر التونسيون حوار رئيس الدولة على قناة الحوار التونسي الذي أجرته الزميلة مريم بالقاضي بكل اقتدار إذ أفادت كل التسريبات بأنه سيقدم حلولا للأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها تونس.
لاشك وان الكارثة التي حلت بالوطن القبلي قد أثرت بصفة هامة على حجم هذه الانتظارات ولكن بعد الحديث عن حجم الكارثة وعن تجاوزها لكل التوقعات تحدث رئيس الدولة زهاء الساعة حول السياسة وحول علاقته برئيس الحكومة وبنجله حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي وحركة النهضة التي أعلن في حواره هذا أن العلاقة قد انقطعت معها منذ أسبوع .
ما الجديد في هذا الحوار المنتظر ؟
لا شيء أو يكاد باستثناء تأكد رئيس الدولة بأنه قد فقد نهائيا الأغلبية النيابية بعد أن أيقن بأن النهضة « قد نفضت يديها من الباجي قائد السبسي» وأنها اختارت مواصلة مشوارها مع غيره في إشارة واضحة إلى المشروع السياسي ليوسف الشاهد.
وسبب هذه القطيعة التي تم إعلانها لأول مرة بصفة رسمية هو رفض الحركة الإسلامية عدم منح الثقة لحكومة الشاهد في صورة تفعيل رئيس الدولة للفصل 99 من الدستور ..
ورغم تكرار الباجي قائد السبسي بأنه لا إشكال له مع رئيس الحكومة إلا أن إعلانه القطيعة مع النهضة فقط لأنها تساند الشاهد يدل على عمق الأزمة بين رأسي السلطة التنفيذية.
التغيير التكتيكي الوحيد الذي لجأ إليه رئيس الدولة هو إعلانه «المؤقت» بأنه لن يلجأ للفصل 99 ولكنه في المقابل ينصح رئيس الحكومة باللجوء إلى الفصل 98 وعرض حكومته على ثقة مجلس نواب الشعب ما دامت الكفة قد مالت إلى جانبه بفضل الكتلة الجديدة التي يذكرها الرئيس بنوع من التهكم والاستنكار ..
والجديد / القديم في حوار رئيس الدولة وصفه بالظلم كل من تحدث عن «التوريث الديمقراطي» ولكن في نفس الوقت رفضه تحميل نجله أية مسؤولية خاصة في أزمة نداء تونس الحالية. وحتى إن اقر أحيانا بمسؤولية ما لنجله فهي ليست أهم ولا أخطر من مسؤولية غيره وهو لا ينصحه بمغادرة موقعه في النداء إلا متى تزامن ذلك مع رحيل رئيس الحكومة ..
فرأس البلية إذن ليست أزمة نداء تونس ومسؤولية نجله ومسار «التوريث الديمقراطي» بل البلية كل البلية هي استئساد رئيس الحكومة بحركة النهضة وعدم انصياعه إلى «نصيحته» في حواره في قناة نسمة «الاستقالة أو الفصل 98»..
لقد تبين أمام الجميع عدم قدرة الباجي قائد السبسي على إدانة مسار «التوريث الديمقراطي» والمسؤولية الجسيمة لنجله وللمجموعة الملتفة حوله من المنتدبين الجدد والقدامى وابرز بكلامه وبحركاته وباستيائه من إصرار زميلتنا مريم بالقاضي حول بعض المسائل غضبه واستياءه من عدم قدرته على التأثير على مجريات الأمور ..
لقد عمد الباجي قائد السبسي إلى منطق سياسي لا يقنع إلا من اقتنع بكل مقدماته وهو ضرورة رحيل رئيس الحكومة وإحراجه أمام الرأي العام .. فرئيس الدولة لم يعد مستعدا للجوء إلى الفصل 99 إدراكا منه بأنه قد فقد الأغلبية النيابية ولم يتوجه مطلقا للمجلس ولم يطالبه بتفعيل الفصل 97 ( عريضة سحب الثقة ) بل اكتفى بترديد لجوء يوسف الشاهد إلى الفصل 98 وكأنه الحل الدستوري الوحيد لازمة لم يعد يمتلك آليات الخروج منها ..
والمفارقة هنا هي أن رئيس الدولة الذي أراد من خلال هذا الحوار إبراز انه مازال ماسكا بخيوط اللعبة قد فشل في ذلك فشلا ذريعا ولم يقدر على الهمس ولو بكلمة لوم جدية ضد مسار «التوريث الديمقراطي» بل أشار إشارات غير لطيفة بالمرة لمعارضي نجله في الحزب بوصفهم بجماعة المنستير الذين أدوا ببورقيبة إلى مغادرة الحكم ..
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
يبدو أن رئيس الجمهورية لم يستوعب بعد الرفض الكبير لجل التونسيين لإقحام العائلي في السياسي وانه لم يتمكن من التحرر من ضغوط العائلة واللوبيات المحيطة بها ..
نقطة ايجابية لابد من تسجيلها وهي تعهده بأن الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية ) ستجرى في مواعيدها وأنه لا تأجيل لها ..
واليوم أضحت الورقة الأخيرة التي يحتفظ بها صاحب قرطاج هي إمكانية ترشحه لعهدة رئاسية ثانية ، ولكن هل تكفي هذه الإمكانية الضعيفة سياسيا وإنسانيا لكي توقف حالة النزيف التي يعيشها الحزب الذي أسسه؟
الأيام القادمة ستتكفل بالإجابة ..
اليوم أصبح واضحا للجميع بأننا فعلا في نظام تغلب عليه الصبغة البرلمانية وأن إرادة رئيس الدولة وتحالفاته لم تعد كافية لكي تميل الكفة لصالحه ..
بداية سنة سياسية تكاد تبوح بكل أسرارها منذ الشهر الأول ..