اعتقد بعضنا أن أزمة حكومة الشاهد قد دخلت بين قوسين اثر مصادقة البرلمان بأغلبية هامة على منح الثقة لوزير الداخلية الجديد في أواخر جويلية الفارط ولكن عاد الملف من جديد على طاولة أهم الفاعلين السياسيين والاجتماعيين بكل قوة ونحن في مستهل هذه السنة السياسية الجديدة .
إن التوصيف الموضوعي للواقع السياسي والاجتماعي اليوم يفيد بأننا إزاء حكومة فقدت جل داعميها وحشدت ضدها أهم القوى الفاعلة في البلاد ، حكومة يصرّ اتحاد الشغل على إسقاطها واتحاد الصناعة والتجارة على ترميم كبير لها وتعتبرها قيادة حزب النداء الملتفة حول نجل رئيس الجمهورية اكبر كارثة على تاريخ البلاد والحركة الإسلامية تسندها بصفة مشروطة وتريد أن تفرض عليها شرط التخلي عن كل طموح سياسي في الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019 .. وحتى هذا الشرط لا يجد أي قبول عند الأطراف المتحالفة لإسقاط يوسف الشاهد.
من يساند اليوم يوسف الشاهد ؟ عشرات من النواب الذين غادروا أحزابهم في أوقات مختلفة يضاف إليهم نواب الاتحاد الوطني الحر وجزء من نواب نداء تونس يتراوح عددهم بين 15 و25..يعني أن حكومة الشاهد لم تتمكن من البقاء إلا بمساندة حركة النهضة ويوم ترفع هذه الأخيرة دعمها تكون الحكومة عارية الظهر وغير قادرة على الصمود ولو ليوم واحد ..
الرجوع إلى الوراء ليس مفيدا اليوم ولا كذلك معرفة من هو على صواب ومن هو على خطأ .. الأكيد أننا لسنا في عالم الملائكة وان الطرفين لم يتورعا عن استعمال الأساليب التي لا تنتمي كلها لعالم الأخلاق.. الإشكال الأساسي اليوم أننا دخلنا في مرحلة جديدة من هذه الأزمة السياسية تتميز باستعادة المدير التنفيذي للنداء ونجل رئيس الدولة المبادرة داخل حزبه بعد فترة من التذبذب ومن تمرد أكثر من نصف الهيئة السياسية عليه ولكنه اليوم يدعو أعضاء الحكومة الندائيين ويحضر سبعة من بينهم (4 وزراء و3 كتاب دولة ) ويفوض هؤلاء – حسب نص البيان – أمر الحكومة إلى قيادة الحزب . كما ان دعم حركة النهضة للشاهد لن يتم لو لم يعلن هذا الأخير في الأيام القليلة القادمة عن عدم نيته الترشح المباشر أو غير المباشر للانتخابات العامة في 2019 ، ولكن الأرجح أن النهضة تقايض بهذه الورقة لتفتك ، كذلك ، تصريحا من رئيس الدولة يعلن فيه بوضوح عن أن تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية 2019 مسألة غير واردة بالمرة ، عندها يصبح مصير حكومة الشاهد آخر اهتمامات الحركة الإسلامية ..
لاشك بأن غايات خصوم الشاهد مختلفة وأحيانا متباينة ولكن ما يؤججها بوضوح هو الطموح السياسي ليوسف الشاهد وان الصراع بين هذه الأطراف قد وصل إلى طريق مسدود والى غياب كل منطقة رمادية تفاوضية ممكنة .
ولكن هنالك عنصر إضافي لابد من أخذه بعين الاعتبار وهو التراجع الهام لمقبولية يوسف الشاهد لدى قطاعات من الرأي العام نظرا لتواصل تردي الأوضاع المعيشية بصفة عامة من تضخم مرتفع ومن تراجع قيمة العملة الوطنية واستقرار البطالة في مستويات مرتفعة ، وحتى التحسن النسبي في بعض المؤشرات كنسبة النمو مثلا لم تظهر بعد انعكاساتها العملية على حياة الناس إضافة إلى إحساس عام بأن يوسف الشاهد لم يحط نفسه بأفضل كفاءات البلاد وأن الولاءات الشخصية لمشروع مازال مبهما هي الطاغية اليوم .
قد يقول المدافعون عن الحكومة بأن يوسف الشاهد ليس مطلق اليدين وانه يتعرض ، منذ تعيينه ، إلى ضغوطات كبيرة من الحزبين الحاكمين ومن رئاسة الجمهورية وفي الأشهر الأخيرة من المنظمة الشغيلة ولكن العبرة في السياسة هي دوما بالنتائج لا بالنوايا .
وعلى كلّ لا شيء يمنع يوسف الشاهد من اقتراح مشروع سياسي مستقل وان يتقدم به لنيل أصوات الناخبين سنة 2019..
المهم اليوم أن الأزمة السياسية قد بلغت مدى لا يطاق وأننا سوف نعيش شهرا اجتماعيا ساخنا خاصة مع التهديد بإعلان الإضراب العام في المنشآت العمومية ..
السؤال اليوم ليس هو هل سيرحل يوسف الشاهد أم لا بل هل بإمكانه تجاوز شهر سبتمبر الجاري أم لا ؟ والسؤال الموالي هو هل سيتفق كل خصوم الحكومة الحاليين على معوضه أو معوضته ؟ وهل بإمكان حكومة قادمة في سنة انتخابية أن تنجز شيئا ما ؟ وهل ستكون قادرة على الاستقلال النسبي عن الأطراف السياسية والاجتماعية اليوم أم ستكون مضطرة للائتمار بأوامر الجميع ؟هذه الحكومة راحلة، راحلة ، ولكن هل فكرنا في شروط نجاح خليفتها ؟ وهل سنرى أهم كفاءات البلاد فيها ؟ أم أن الأساسي هو سقوط الشاهد فقط لا غير ؟ !
أخشى ما نخشاه أن يجنح الجميع من أنصار الحكومة وخصومها إلى سياسة الأرض المحروقة ..