من التذمّر لديهم ، فإن الصبغة الفجائية للحركات الاحتجاجية على خلفية مطالب نقابية غير مصادق عليها مسبقا من طرف المركزية النقابية بصفة معلومة ، و دون احترام الإجراءات القانونية ،لا تضع المركزية النقابية فقط في حرج، بل تسيء لصورة العمل النقابي و تؤلب الرأي العام عليه .
ففضلا على أن عدم الانضباط في اتخاذ القرارات و تنفيذها يشكّل تجاوزا لسلطة الإتحاد و يشوّش عليه في القيام بدوره، و يمنح الفرصة للمتربصين به للتشكيك في سيطرته على قواعده، فإن ذلك يحسب في الظرف الراهن على موجة معارضة حكومة الشاهد ،و يفتح الباب للتأويلات، الّتي تعمل على تسميم الأجواء الاجتماعية بكل الطرق والسبل.
و إذا تمّت الاستجابة لأي مطلب إثر أي تحرك احتجاجي فجئي- كما حصل مع جامعة النقل- فإن الانطباع الّذي سيحصل للرأي العام النقابي وعامة المواطنين ، بأن «الإضرابات الفجائية» في القطاعات الحسّاسة ، والاحتجاجات المعطّلة للمرفق العام ، تمكّن من فرض الاستجابة لبعض المطالب، أو هو انطباع حصل في أكثر من مناسبة، الأمر الذي شجع على تكرار نفس التصرف ، باعتبار أن ذلك أعطى أكله بسرعة و سبق كل المطالب الأخرى الّتي ما تزال محل حوار أو انتظار، ومكّن منفّذي الإضراب من رفع «راية الانتصار».
وقد يحصل أن تكون الاستجابة للمطالب الفجائية غير مدروسة، وكانت استجابة اضطرارية من المؤسسة أو من الدولة ، دون أن تكون قادرة على تحقيق تلك المطالب، و إنّما كانت بغاية فك الإضراب أو الاعتصام و تأجيل الأمر لحل قد يأتي أو لا يأتي. هذا ما عرفته الساحة الاجتماعية في أكثر من مناسبة ، لذلك تتوالى التهديدات بشن الإضرابات لعدم تحقيق إلتزامات أو تعهدات سابقة.
قد يكون الأمر هيّنا لتعلّق الإشكال بتقديم موعد صرف منحة (أنظر مقالي كريمة الماجري ومجدي الورفلي) ولكن ما حصل لم يمر دون ترك آثار سيئة تمّ تلقفها بسرعة لتوظيفها في مزيد توتير المناخ الاجتماعي.
و نذكّر بأننا عندما نتحدّث عن تنقية المناخ الإجتماعي ، فإنّنا لا يمكن ألاّ نذكر المركزية النقابية الّتي تضطلع بدور مركزي في الحفاظ على نقائه. فهي لا تتحمّل فقط مهمّة الدّفاع عن الأجراء و عن المقدرة الشرائية ، بل تضطلع بمهمّة التعديل والحفاظ على التوازن بين المطلبية الصرفة والقدرات الاقتصادية والإمكانيات المالية المتوفّرة، أي بين المطلوب والممكن ،و ذلك طبق المعطيات المتوفّرة . وقد سبق أن أكدنا أن مهمّة الاتحاد العام التونسي للشغل في تنقية المناخ الاجتماعي ، اكتسبها لعوامل تاريخية تعود إلى دورها في الحركة الوطنية وفي بناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال ، الّتي منحتها خصوصيات تشاركية في مجال السياسة الاجتماعية جعلتها قوّة اقتراح في الشؤون الاجتماعية و الاقتصادية ومن خلالها تعدّت للشأن السياسي العام .
هذا الدور الهام للاتحاد العام التونسي للشغل محل إجماع كل القوى الاجتماعية والسياسية ، أعطاه الدور الّذي لعبه في الحوار الوطني ، دفعا جديدا ، لذلك يجب أن يتعمّق وعي القواعد النقابية والهياكل القيادية الوسطى ،بحساسية هذا الدور ودقته ، فتتجنّب فرض حلولها أو المساومة بنفوذها ،فتحافظ على الانضباط للهياكل المركزية، و تراعي مقتضيات الإجراءات و ظروف المواطنين المتضرّرين من غياب الخدمات بصورة فجائية وتبعات ذلك على قضاء حاجياتهم المختلفة . وفي المقابل على المؤسسّات أن تتجنّب مصادر التوتّر و تتنبّه لها و أن تبادر بطرح الإشكاليات المفترضة قبل حدوثها و أن تعالجها و أن تعمل على فضها قبل انسداد الأفق و حصول ما كان في الحسبان ،فيصعب التدارك ،و يحصل عندها ، ما لم يكن في الحسبان.