والمشاورات واللقاءات علها تأتي بالجديد الذي يسمح بحلحلة الأمور في هذا الاتجاه أو ذاك..
اجتمع مساء أول أمس الرجلان اللذان يملكان جلّ المفاتيح السياسية في تونس منذ انتخابات 2014 : الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي. لقاء أراد من ورائه صاحب قرطاج سبر أغوار حليفه زعيم حركة النهضة ومعرفة هل من جديد في مواقفه خاصة في ما يتعلق بحكومة الشاهد وفي «النقطة 64» الشهيرة التي قسّمت فرقاء «قرطاج2». والمعلومات المتوفرة لدينا تفيد بأن راشد الغنوشي قد أعاد، وبوضوح غير اعتيادي، على مسامع رئيس الدولة موقف حركته من حكومة الشاهد: نحن مع تحوير جزئي ولا نرى من فائدة تذكر بإزاحة الشاهد.
وقد جاء اجتماع المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية الذي عقب مباشرة اللقاء بين «الشيخين» ليؤكد هذه المعاني من جديد وهكذا بقيت الأسئلة الرئاسية هي نفسها لحركة النهضة «ما موقفكم من بقاء يوسف الشاهد»؟ وبقيت الأجوبة النهضوية هي نفسها أيضا « لا نرى ضرورة لتغييره الآن»...
ويبدو أن رئيس الدولة قد أحاط زعيم الحركة الإسلامية علما بالضغوط المتعددة والمتنوعة المسلطة عليه لكي يتوجه للتونسيين بكلمة حول هذه الأزمة السياسية الخانقة عساها تغير من خطوط التماس وتسمح بإيجاد منافذ جديدة للخروج منها لكن راشد الغنوشي نصحه بالعدول عن ذلك خاصة لو أراد القول بأن الحكومة التي اختار هو بنفسه رئيسها قد فشلت كما فشلت الحكومة الأولى والتي اختار هو كذلك رئيسها وان لهذا الإقرار كلفة سياسية باهظة بالنسبة لرئيس الجمهورية ذاته ..
يقول بعض العارفين بأنها ربما تكون المرة الأولى التي تحدث فيها راشد الغنوشي إلى رئيس الدولة بلغة واضحة وصريحة بعيدا عن التعبيرات الديبلوماسية التي قد تفيد الشيء ونقيضه فحركة النهضة مستعدة لمناقشة حلول بديلة عن التغيير الجذري للحكومة كقيام رئيس الحكومة بتغيير جزئي يضحي فيه ببعض العناصر المقربة له والتي تثير حنق نداء تونس وتعيين وزير داخلية جديد «توافقي» بمعنى ترضى عنه بطانة حافظ قائد السبسي ولا يثير مخاوف الإسلاميين وتراعى فيه بعض التوازنات الجهوية المهيكلة لكل حكومات الدولة التونسية منذ الاستقلال وتضيف حركة النهضة إلى كل هذا إمكانية التزام رئيس الحكومة بعدم الترشح للانتخابات القادمة حتى يُطمأن لجانبه من قبل حزبه ، وان رغب يوسف الشاهد في عرض نفسه على التونسيين يغادر الحكومة قبل موفى هذه السنة وتشكل حكومة «انتخابات» أي حكومة تكنوقراط على شاكلة ما حصل سنة 2014..
يبدو أن رئيس الجمهورية غير متحمس لهذا الحل وانه يريد مخرجا سريعا لهذه الأزمة وان رغبته والتي يتهيب من الإعلان عنها صراحة هي في رحيل الشاهد الآن وهذا معنى تحميله غير المباشر مسؤولية الانسداد السياسي لحركة النهضة ..
كل المؤشرات تفيد بأن لقاء «الشيخين» يوم أول أمس لم يأت بالجديد وان حركة النهضة باقية على نفس الموقف : مواصلة حكومة الشاهد لعملها مع تعديل جزئي في تركيبتها وإسراعها في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وان هذا الموقف للحليف الأساسي لرئيس الدولة يضيّق عليه كثيرا الخيارات وقد يدفعه إلى لعب ورقة غير محسوبة العواقب كأن يطلب بصفة واضحة رحيل يوسف الشاهد سواء بواسطة مداخلة علنية أو بصفة «ودية» وبعيدا عن أنظار الكاميرا وهذا ما رفضه دوما الباجي قائد السبسي لا مع يوسف الشاهد فقط ولكن من قبل كذلك مع الحبيب الصيد.. كما أن رئيس الدولة غير مستعد لتلبية رغبة نجله باللجوء إلى الفصل 99 من الدستور ومطالبته مجلس نواب الشعب بالتصويت على مواصلة منحه الثقة للحكومة ..
هنالك مخرج ثان من هذه الأزمة ولكن الواضح أن الرئيس لا يحبذه ولا يقدر عليه في ذات الوقت وهو مساندة علنية ليوسف الشاهد وكبحه – ولو نسبيا – لجماح نجله .. فالرئيس قد وجد نفسه في زاوية هو من حشر نفسه فيها منذ البداية بقبوله إدماج العائلة في السياسة ..
أمام هذا الانسداد المنذر بتعفن قريب للازمة السياسية الخانقة قد تتحرك المياه الراكدة من القصبة في الأيام القادمة وذلك بإقدام رئيس الحكومة وفق ما يخوله له الدستور على القيام بتحوير وزاري جزئي يعرض فيما بعد على مجلس نواب الشعب لكي يتأكد بصفة نهائية هل له أغلبية برلمانية – ولو طفيفة – تسمح له بمواصلة عمله .. فإن صادق البرلمان على التحوير يخرج الشاهد منتصرا ويصبح الحديث عن تعويضه الفوري لغوا لا طائل من ورائه وإن فشل تكون النتيجة السياسية الوحيدة اللائقة هي استقالته وهكذا تتحرك المياه الراكدة وتبحث أحزاب الأغلبية عن «ربّان» جديد للسفينة وقد تتعارض المصالح عندها وتدخل البلاد في أزمة من صنف جديد.
المهم اليوم هو أن تتحرك المياه الراكدة حتى لا يصيب التعفن الجسد كله وعندها لا يفيد تحوير كلي أو جزئي لأي شيء ..