%2.5 نمو ـ %15.4 بطالة- %70 تداين- %7.7 تضخم %72.7 نسبة التغطية في الميزان التجاري: هل بدأ اقتصادنا في التعافي أم أن الوضع على سوئه المعتاد ؟

من ايجابيات الانتقال الديمقراطي بالتضافر مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ الثورة

أن أصبحت أوضاعنا الاقتصادية محل اهتمام متزايد من قبل الرأي العام ..إنها المرة الأولى في تاريخنا المعاصر الذي تحتل فيها أهم مؤشرات الاقتصاد (نمو – بطالة – مديونية – تضخم – عجز تجاري ..) هذه المكانة في النقاش الوطني ..

ولكن الأرقام لا تنطق بنفسها وأحيانا يتعسف عليها كل من لهم مصلحة إما بتزويقها أو بالتحقير من شأنها خاصة عندما تؤشر هذه الأرقام إلى أبعاد مختلفة بشكل يعسّر من قراءتها الإجمالية ويجعلنا نميل ذات اليمين وذات الشمال في تحليلها وفق نسق تدفقها إلى الفضاء العام ..

بعبارة أوضح هل بدأنا نخرج من «عنق الزجاجة» بفضل تحسن النمو والتصدير والسياحة أم أن الوضع مازال خطيرا بحكم تفاقم المديونية والتضخم وعجز الميزانية ؟
الجواب عن هذا السؤال ليس سهلا بالمرّة ..

ففي هذه الأرقام السلبي والسلبي جدا والمتواضع والايجابي وفيها ما هو هيكلي وما هو ظرفي وهكذا تكون المحصلة غير أكيدة خاصة عندما نعلم أن انعكاساتها السياسية أصبحت اليوم مهمة للغاية ، فمحصلة ايجابية ولو نسبيا ، تقول بأن حكومة الشاهد في الطريق السوي وبالتالي يكون الحديث عن تغييرها اليوم مجرد عبث ، أما عندما تكون المحصلة سلبية فهذا يعني أن بقاء الحكومة الحالية قد يزيد في تعكير الوضعية العامة للبلاد ..

تقدم الحكومة منذ أسابيع القراءة التالية : الاقتصاد الحقيقي بصدد التعافي ولكن لدينا مشكلات ضخمة في التوازنات المالية .. واللا مقول في هذا الخطاب هو أن الحكومة مسؤولة عن الاقتصاد الحقيقي ولكن وضع التوازنات المالية هو وضع موروث وخارج إلى حد كبير عن مسؤولية حكومة الشاهد ...

إذن هنالك اقتصاد حقيقي ومالية عمومية ولكن هذه الثنائية لا تستقيم بالمرة. لقد تم اللجوء إلى هذا المفهوم «الاقتصاد الحقيقي» في اقتصاديات مختلفة تماما عن وضعنا الحالي وكان «الاقتصاد الحقيقي» في مواجهة المضاربات المالية .. ولكن في هذه الدول «الاقتصاد الحقيقي» يتضمن بالطبع الموازنات المالية للدولة وكل الدول مسؤولة عن اقتصادياتها الحقيقية بهذا المعنى الواسع لا بالمعنى الذي تسعى الحكومة للتسويق له ..

ثم إن الأرقام في الاقتصاد لا تقول شيئا في حدّ ذاتها ، فما معنى %2.5 كنسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي للثلاثي الأول ؟ هل هي جيدة ام متواضعة أم سيئة ؟ وهل أن الأفضل من السيئ هو بالضرورة جيد ؟ !
صحيح أن الأغلبية الحالية قد عرفت أسوأ نسب نمو في تاريخ تونس المعاصر بـ%0.8 في 2015 و%1.0 في 2016 و %1.9 في 2017 وهكذا يكون الثلاثي الأول لسنة 2018 والذي حققنا فيه نسبة نمو بـ%2.5 هو الثلاثي الأفضل في هذه العهدة الانتخابية. وصحيح أيضا أن مكوناته ايجابية إذ هي تعتمد على الاقتصاد المنتج (الفلاحة والصناعات المعملية والخدمات المسوقة). وصحيح أيضا أن نسبة نمو هذا الثلاثي الأول لسنة 2018 مقارنة بالثلاثي الأخير لسنة 2017 جيدة أيضا إذ وصلت ولأول مرة إلى %1.0.. ولكن ينبغي التذكير أن فرضية الحكومة في قانون المالية لهذه السنة قامت على نسبة نمو سنوية بـ %3 وأن ما أنجزناه في الثلاثي الأول رغم التحسن الملحوظ ، لا يكفي بالمرة لبلوغ هذا الهدف ، ثم ينبغي أن نعلم أن %3 كنسبة نمو هي الحد الأدنى لكي يستوعب الاقتصاد الفعلي الطلبات الإضافية لسوق الشغل وأن مقاومة اقتصادية ناجحة للبطالة تبدأ مع %4 فما فوق ..
%2.5 للثلاثي الأول لهذه السنة نسبة أفضل ممّا أنجزناه ولكنها مازالت دون المأمول لكي نتحدث عن انتعاشة فعلية للاقتصاد الوطني ..

وصحيح كذلك أن نسبة تغطية العجز التجاري للأربعة أشهر الأولى في 2018 قد تحسنت هي بدورها مقارنة بالسنة الفارطة بست نقاط (%72.7 مقابل %66.4) ولكن عجزنا التجاري قد تجاوز في هذه الأشهر الأربعة 5 مليار دينار بما قد يجعلنا مرة أخرى نتجاوز سقف 15 مليار دينار سنويا ..
وصحيح كذلك أن التصدير قد تحسن كثيرا ولكننا لم نتمكن من استعمال جيد لتراجع قيمة الدينار خلال السنة الماضية وذلك لغياب سياسة موحدة واستعداد جيد لنسيجنا الاجتماعي إذ فاجأ تراجع الدينار الجميع وكان مرده بالأساس إلى ارتباك سياسي لا إلى سياسة ممنهجة القصد منها النهوض بالتصدير ..

ومختصر القول أن قطاعات عدة قد تحسن أداؤها كالفلاحة والصيد البحري والصناعات المعملية والخدمات المسوقة وكان هذا بفضل النتائج الباهرة لزيت الزيتون وللصناعات الميكانكية والكهربائية والنسيج والسياحة رغم أن جل هذه القطاعات مازالت تشكو من مشاكل هيكلية وان المهنيين فيها غير راضين على تعامل الإدارة مع مشاكلهم المخصوصة ..
ولكن هذا التحسن النسبي لا ينبغي أن يخفي عنا معضلاتنا الهيكلية في الصناعات غير المعملية وخاصة في الفسفاط وبدرجة اقل في المحروقات فبلادنا عاجزة على امتداد هذه السنوات السبع عن الاستغلال الأمثل لهذه الخيرات والتي كان من شأنها أن تحد نسبيا من تدايننا الخارجي وبالتالي من انخرام ماليتنا العمومية ..
لاشك أن الحكومة قد عملت ما في وسعها لتوفير هذه النتائج المرضية التي يقوم بها القطاع الخاص في الأغلب الأعم ولكن دورها فيها يبقى نسبيا ومجالات تدخلها فيها غير مباشرة بالأساس وتعنى بالإطار القانوني وبالتحفيز وبحسن المرافقة لا بالإنتاج ذاته بطبيعة الحال ..
ولكن السؤال اليوم هو ماذا فعلت الحكومة في المجالات التي تعود إليها بالنظر مباشرة والتي لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي ..

• ماذا فعلت الحكومة في التجارة الموازية ؟
لقد سجلنا حملة على بعض كبار المهربين في السنة الفارطة ولكن التجارة الموازية حاضرة بكثافة في محيطنا اليومي بشكل يوحي بنوع من الإقرار الرسمي بها ..

• ماذا فعلت الحكومة لتحسين الخدمات الديوانية وغيرها في موانئنا الرئيسية؟

• ماذا فعلت لإنفاذ القانون ولحماية المنشآت الاقتصادية ؟

• ماذا فعلت الحكومة للحدّ من التوريد الاستهلاكي وغير المفيد؟

لاشك أن هنالك مجهودات مبذولة في كل هذه المجالات وغيرها ولكن في المحصلة لم تتمكن الحكومة من كسب هذه المعارك المفتوحة وبدت سياساتها وكأنها ظرفية ودون التصميم الكافي لتغيير الموازين ..
ونأتي ربّما إلى النقطة الأهم : ماذا فعلت حكومة الشاهد في التوازنات المالية الكبرى عدا التنبيه لخطورتها منذ الأيام الأولى.؟!

ينبغي ان تكون للحكومة الشجاعة الكافية لإعطائنا حصيلة جهدها في التوازنات المالية للبلاد : كيف كانت إبان تكليفها في أواخر أوت 2016 وكيف هي الآن ؟
في موفى شهر اوت 2016 كانت نسبة تدايننا في حدود %60.8 وكان ديننا الخارجي دون الثلثين (%65.5) اما في نهاية ديسمبر 2017 وهو آخر رقم متوفر اليوم فقد وصل التداين الى %69.9 وبلغت نسبة الدين الخارجي %68.7..
في اوت 2016 كانت نسبة التضخم ب %3.8 أما اليوم فقد زادت على الضعف ووصلت الى %7.7. خلال فترة حكومة الشاهد فقد الدينار %23 من قيمته تجاه اليورو و%13.5 تجاه الدولار كما انخفض مخزوننا من العملة الصعبة خلال سنة واحدة بحوالي 30 يوما تصدير ..

هل بإمكان حكومة جدية ان تتنصل من مسؤوليتها في كل هذه التراجعات؟ لاشك أنها لا تتحمل لوحدها مسؤولية كل ما حصل فجزء من هذه التراجعات ورثته عن الحكومات السابقة وجزء آخر هو نتيجة للتعثرات الاقتصادية ولكن ماذا فعلت حكومة الشاهد للحد من كل هذه الانزلاقات وأين هي مشاريع الإصلاح التي وعدت بها لإنقاذ المالية العمومية ؟
سوف تقول الحكومة بانها قدمت مشاريع إصلاح ولكن الأطراف الاجتماعية (بدءا باتحاد الشغل) هي التي رفضت التوقيع وبالتالي تحويل هذه المشاريع الى قوانين نافذة .. ولكن في النتيجة قطار الاصلاح لم ينطلق بعد.
لا يهمنا الآن تحديد المسؤوليات السياسية لكل طرف .. ما يهمنا هنا هو محاولة إعطاء صورة متكاملة عن الوضع الاقتصادي للبلاد. فتصدير زيت الزيتون مهم للغاية ولكن تفاقم مديونيتنا العمومية لا يقل عنه أهمية. كل معطيات الإنتاج الفلاحي والصناعي والخدماتي والتوازنات المالية الكبرى كلها تنتمي للاقتصاد الحقيقي التونسي والصورة التي تتجلى من هذا كله

أننا لم نتجاوز منطقة الخطر وأننا لم نبدأ بعد في الإصلاحات الفعلية التي تؤمن وتحسن التعافي التدريجي لآلتنا الإنتاجية وتعيد توازناتنا المالية إلى مستويات معقولة..
هذا ما لم نقم به بعد !!

بعد ذلك فلينظر كلّ إلى الكأس من الشطر الذي يريد ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115