(أضخم نص قانوني منذ الثورة ) بصفة شبه اجماعية وبالموافقة والإسهام الفعلي لكل الكتل البرلمانية ..
هنالك نجاح لابد من تحيته وهو الوصول إلى نص مجمّع في مسألة كانت تثير مخاوف عدة وهذا يثبت تلك الخاصية التونسية الغريبة والتي تظهر أحيانا وتختفي أحيانا كثيرة وهي القدرة على الاتفاق على الأساسي بين فرقاء كانت تبدو التناقضات بينهم جوهرية بشكل يستحيل معه التوافق على أي شيء ..
لقد ظهرت هذه الروح إبان المصادقة على الدستور وكذلك على القانون المناهض للعنف ضد المرأة واليوم على هذا النص الأساسي الذي سيشكل وجها جديدا للبلاد..
بعد تسعة أيام ستكون لدينا مجالس بلدية منتخبة معتمدة على قانون قائم على السلطة المحلية وعلى التدبير الحر للجماعات المحلية بدءا بالبلديات ثم الجهات وأخيرا الاقاليم .. ولكن هذا المسار طويل وهو لن يؤتي ثماره الأولى إلا بعد دربة بعض السنين وبانخراط قوي للمواطنين في هذا المسار الجديد ..
هنالك مخاوف لا مكان لها البتة في هذا المجال وخاصة أولئك المتخوفين من تفتت الوحدة الوطنية ومن تذرّر الدولة .. فنحن سنؤسس معا مجالا جديدا لممارسة الحكم المحلي بما سيعمق إحساس الجميع بالانتماء ..فالذي لا يعتز بجهته وببلدته أو قريته لا يمكن له أن يعتز بوطنه ، والمسار الذي سنبنيه جميعا سوف يدفع كل جماعة محلية إلى التعاون مع غيرها والى نسج شبكة من العلاقات الأفقية بما يجعل الاعتزاز بموطن الرأس انخراطا أقوى في المشروع الوطني المشترك ..
عندما يتم تركيز المجالس البلدية المنتخبة سنبدأ في ممارسة شيء جديد لا عهد لنا به وهو التدبير الحر لكل بلدية ، أي أن كل بلدية ستصبح فاعلا اقتصاديا وإداريا مستقلا لا رقابة قبلية عليه من قبل السلطة المركزية. الرقابة هنا بعدية وهي فقط للقضاء بمستوياته المختلفة من إداري ومالي وجزائي ولناخبيه أيضا وقبل كل شيء والأساسي هو ألا يقتصر دور المواطن على يوم الانتخاب بل على دعم ومحاسبة عمل المجلس البلدي بشكل شبه يومي بدءا بتحديد اختيارات البلدية وثانيا بحسن تطبيق ما تم الاتفاق عليه ..
لا يخفى عنا ان البلديات لا تنطلق بنفس الحظوظ إذ أن إمكانياتها متفاوتة جدا بشريا وماديا ولوجستيا والأساسي هنا ألا تنتظر البلديات الأقل حظا اليوم الإعانات والمساعدات إذ أن ان تعمل على حسن توظيف هذا التدبير الحر لتسهم في خلق الثروة والنمو ولتبتكر أشكالا من الشراكة بين العام والخاص والتشبيك مع البلديات المجاورة ..
فالمجالات امام كل بلدية ضخمة والنجاح لا يتوقف فقط على الإمكانيات المادية الراهنة بل في القدرة على الابتكار والتجديد..
اليوم سندخل هذه التجربة مسنودين بقانون عظيم يحظى بتوافق واسع وعريض ويبقى على المواطنين أن ينخرطوا بكثافة يوم الاقتراع حتى يعطوا الشرعية الشعبية الدنيا للفائزين فلا أسوأ من انتخابات يشكك في قيمتها بالنظر إلى العزوف الكبير عن التصويت الذي صاحبها.
لقد خطت البلاد يوم أمس خطوة عملاقة .. خطوة تستوجب التأكيد بعد تسعة أيام ومرافقة نشيطة ونقدية على امتداد الأشهر والسنوات القادمة ..