الانتخابي فيما يخص الانتخابات البلدية، وفتور حماس الأحزاب السياسية في الدعاية الانتخابية والتباطؤ في إتمام مشروع مجلة الجماعات المحليّة، تشكل سمات بارزة لمدى جاهزية المجتمع السياسي لتطبيقات الحكم المحلّي الّتي تعد البلدية إحدى ركائزه باعتبارها «تتمتع بالاختصاص المبدئي العام لممارسة الصلاحيات المتعلقة بالشؤون المحلية وتمارس الصلاحيات التي يسندها لها القانون سواء بمفردها أو بالاشتراك مع السلطة المركزية أو الجماعات المحلية الأخرى» طبق مقتضيات الفصل18 من مشروع قانون الجماعات المحلية.
لذلك تلفّ هذا الاستحقاق الانتخابي الضبابية وتجعل الناخبين مقدمين على انتخابات لا شيء يحرّكها غير انتظار يوم الإدلاء بأصواتهم دون أن يحملوا أية فكرة لا على المترشحين و حقيقة انتمائهم و محتوى برامجهم، ولا على طريقة الاقتراع أو كيفية توزيع المقاعد أو انتخاب رؤساء بلدياتهم،و لا على ما ينتظرهم بعد كل هذا.
طلاسم هذه الانتخابات و مجرياتها ، تعطي الانطباع و كأن البلاد مقدمة على تجربة وضع الدستور الجديد معالمها، ولكن أصبحت بعد التأسيس لها مثيرة للمخاوف مّما يوحي بوجود شبه ندم شبيه بذلك الّذي رافق إنشاء بعض الهيئات المستقلّة الّتي كشفت التجربة تقليصها لنفوذ السلطة الحاكمة إلى درجة أن البعض يحمّلها مسؤولية إضعاف سلطة الدولة.
لا شك أن فترة الشك الّتي سبقت تحديد موعد الانتخابات المسبوقة بأكثر من تأجيل وطول فترة الصمت «المريب» كانت وراء عدم استعداد الأحزاب السياسية لقراءة متأنية لتبعات التجربة الجديدة و فهم و هضم ضوابطها و مستلزماتها المالية وآثارها السياسية و الهيكلية، لذلك بدا قرار تعيين موعد الانتخابات البلدية و كأنّه مفاجأة للجميع ، فانخرطوا في العملية بــ«بهتة» وتوجسّ.
و«فترة الشك» هذه وعدم الإلمام بمقتضيات الاستحقاق الانتخابي البلدي ، لم يحدثا لخبطة لدى الأطراف المشرفة والمشاركة في تنظيم الانتخابات فقط ، بل أدخلا بلبلة في أذهان المترشحين أنفسهم،و الهياكل الحزبية الّتي تقف وراء تشكيل القائمات ، إذ أن همّ الجميع كان منصبّا على «تأثيث» القائمات و توفير موجباتها الشكلية، دون أي شيء آخر ، بما في ذلك فهم الدور الجديد للبلديات في الحكم المحليّ.
لا يمكن أن نعيد ما يُسجل من فتور و نواقص إلى العجلة ، أو إلى قلّة الإمكانيات ، و لكن من المؤكّد أن عدم الاستعداد كما يجب لهذا الاستحقاق كان وراء هذه الحالة . و لاشك أن عدم الاستعداد هذا ،كان نتيجة قصور في استشراف الرؤية الجديدة في تطبيق اللاّمركزية الّتي جاء بها دستور 2014 ، و أثرا للمغالاة في وضع تشريع معقّد الإجراءات على مقاس أحزاب كانت تصنّف نفسها ضمن الأحزاب الكبرى ، و لكن ظهرت في الحقيقة ، كتشكيلات «سياسوية» تدير الأزمات يوما بيوم وفاقدة لرؤى وتصورات إستراتيجية .
و لكن أمام تعذّر الرجوع إلى الوراء ، و لكي لا تفاقم حالة الإحباط ، لا بد من تدارك ما يحصل من فتور و لامبالاة في ما تبقى من أيام في الحملة الانتخابية ، و ذلك بتكثيف المجهود التحسيسي و الإعلامي و ترشيد الدعاية ، دون أي تشويش آخر على مجريات العملية الانتخابية ، و باستفاقة الأحزاب المشاركة في الانتخابات و«قائماتها المستقلة» ومزيد تحرّك القائمات المستقلّة الحقيقية ، ومكونات المجتمع المدني والمنظمات الّتي تريد أن تكون انتخابات ماي المقبل خطوة إلى الأمام.
و بما أنه أصبح من شبه المستحيل الانتهاء من مناقشة قانون الجماعات المحلية قبل تعديله والمصادقة عليه ، فلا مناص من استغلال التأجيل ،للوقوف وقفة تأمل جادة في هذا المشروع الهام، ومزيد تدقيق الأحزاب و النخب القانونية والحقوقية في مرتكزاته ، لأن الكثير ممّا يتضمّنه يحتاج إلى تهيئة الظروف الكفيلة بتوفير إمكانيات تطبيقه كما يجب ،و إلى تحضيرات وقدرات واعتمادات لا يُستهان بها ، حتى نحدّ من الضبابية برؤية أكثر وضوحا و واقعية.