في منطق القوة الغاشم والظالـم

تعرضت سوريا يوم أول أمس لعدوان ثلاثي جديد أقدمت عليه « أعرق»

ديمقراطيات العالم : أمريكا وانقلترا وفرنسا في خرق واضح للقانون الدولي ودون أي تفويض أممي وتأسيسا فقط على «معلومات» لم تتثبت من صحتها سوى الاستخبارات الأمريكية لا غير  !!

لا يشك احد في أن العلاقات بين الأمم قائمة على مبدإ القوة منذ بداية التاريخ ولكن اعتقد بعضنا أن مآسي الحروب الكونية والاستعمارية في القرن العشرين قد أقنعت جلّ الدول، بما فيها القوى العظمى -بأن تقنين علاقات القوة وضبطها بقانون دولي يضمن تحكم الكبار فيه عبر آلية مجلس الأمن- وحق الفيتو المعطى للدول الخمس القوية والمالكة للسلاح النووي (أمريكا وانقلترا وفرنسا وروسيا والصين ) سوف يعقلن، إلى حدّ ما، علاقات القوة ويؤسس مجالا -ولو ضيق- من الحق والقانون ..

لا احد يجادل في ضرورة التجريم الدولي للأسلحة الكيميائية أو البكتريولوجية ولكن لا يمكننا أن ننسى أسطورة أسلحة الدمار الشامل والتي كانت وراء تحطيم العراق خارج كل شرعية دولية وباستعمال منطق القوة الغاشم فتحطمت العراق وتحطمت معها الروابط الاجتماعية وشهدت البلاد منذ 15 سنة أبشع أنواع الحروب والإرهاب .. كل ذلك انطلاقا من كذبة كبرى أقدمت عليها أمريكا وحلفاؤها وهم على وعي تام بما يقترفونه فلم يلغوا فقط من الأرض نظاما دكتاتوريا بل وفروا من حيث أرادوا أم لم يريدوا تربة خصبة للإرهاب السلفي الجهادي المعولم وجعلوا من العراق موقعا للصراعات الطائفية والإقليمية ذهبت فيها عشرات الآلاف من الضحايا..
ما حصل البارحة مع العراق هنالك من يخطط له منذ سبع سنوات لسوريا ولو لا تغيّر المعادلة الإقليمية بالتدخل الكثيف لروسيا وإيران وميليشيات حزب الله لكان للدول الغربية وحلفائهم الخليجيين ما أرادوا..

نحن لا ندافع عن نظام بشار الأسد ولا نعتبره نموذجا يقتدى به بل هو نظام استبدادي عنيف لا يتورع عن قمع معارضيه وأحيانا بابشع الصور .. ولكن ما لا نريد السقوط فيه هو تلك السردية الساذجة التي يراد إقناعنا بها من صنف أن تحطيم نظام الأسد بالحديد والنار سيفرز بالضرورة نظاما ديمقراطيا أو أن خصوم نظام الأسد إنما أخذتهم الغيرة والحمية على الشعب السوري وأنهم يلجؤون إلى هذه الترسانة الحربية لإنقاذ الشعب السوري !! هذه السردية كاذبة حتى وان رددتها كل يوم وسائل اعلام قوية ونافذة في العالم ..

وسردية بشار الأسد وحلفائه هي أيضا سردية كاذبة تحوّل في أحيان كثيرة النتائج إلى مقدمات ولكن ما يهمنا نحن هو مصلحة الشعب السوري والواضح انه في كل مرة تم تحطيم الدولة الوطنية ( العراق وليبيا نموذجا) إلا وانهارت البلاد وأضحت مرتعا للإرهاب
الديمقراطية مطلب جوهري لكل شعوب الدنيا ، ولكنه نضال داخلي سلمي ولا تأتي بالطائرة القاذفة للصواريخ ..

وانه لمن المضحكات المبكيات في وضع العالم العربي اليوم أن يبتهج بعض العرب من هذا العدوان الثلاثي كما تبتهج إسرائيل .. إن مأساة التاريخ أحيانا أقسى من نهايته ..

يخطئ من يعتقد أن منطق القوة ينتصر في كل زمن وحين . فلكلّ قوة قوة تضادها وقد تكون قادرة على دحرها ولا أدل على ذلك من عجز الدول الغربية الكبرى وحلفائهم من العرب وحلفائهم الظرفيين من الجماعات الإرهابية عن تحقيق نصر في سوريا بعد أكثر من سبع سنوات من حرب طاحنة ودامية وظالمة ..

انه بالإمكان التمهيد لحل سياسي يحقن الدماء ويرمم ما بقي من البلاد حتى تبدأ سوريا في مسار طويل وشاق من إعادة بناء أواصر العيش المشترك .. ولكن لكل حرب مصالح ضمنية واستراتيجيات إقليمية ودولية وخاسرون ورابحون وكل هذا يطيل المأساة في سوريا في توازن جديد للرعب تديره القوى الكبرى والإقليمية المتناحرة .. وهكذا يحصل دوما عندما يغتال الحق والقانون .. فما بعد القانون - رغم حدوده – إلا منطق القوة الغاشم والظالم .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115