الاستهلاك العائلي لشهر مارس الفارط والثانية بالتجارة الخارجية لنفس الشهر وبالأسعار الجارية ( أي دون اعتبار نسبة التضخم ). وما يتجلى بوضوح من قراءة أولى أننا أصبحنا قاب قوسين أو ادنى مما يسمى بالدوامة التضخمية (La spirale inflationniste) وفي الحقيقة نحن أمام ما يمكن أن نسميه بالانفجار التضخمي .
لقد حطمت نسبة التضخم رقما قياسيا جديدا ببلوغها في شهر مارس %7.6 بعد ان كانت في شهر فيفري %7.1 وبعد أن انهينا السنة الفارطة بـ %6.4 أي أن مؤشر التضخم قد ازداد في ثلاثة أشهر باكثر من نقطة ولو واصلنا على هذا النسق فسنتجاوز عتبة الرقمين (أي %10) خلال هذه السنة ..
لا نريد تهويل الأمور ولكننا إزاء كارثة حقيقية خاصة عندما نعلم بان كل المعطيات تفيد بان انفجار التضخم سيزداد وبسرعة وأن كل محاولة لإيقافه بصفة إرادية وإدارية عبر الترفيع المشط في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي قد لا يقضي على التضخم فقط بل وعلى كل إنعاش ممكن للاقتصاد الوطني ..
ينبغي أن نعلم أن الآلية المباشرة الأساسية للحدّ قدر الإمكان من التضخم والتي يملك ناصيتها فقط البنك المركزي هي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية والتي وصلت منذ أسابيع قليلة إلى %5.75 وأفضت إلى حدود أول أمس إلى نسبة الفائدة في السوق النقدية (TMM) بـ%6.43 أي أن فائدة الاقتراض الفعلية من البنوك بالنسبة للأشخاص وكذلك للمؤسسات هي الآن ما بين %8 كحدّ أدنى و%9.5 إن لم تزد على ذلك وهذا يعني أن كلفة الاقتراض أصبحت مرتفعة للغاية ونتيجتها المباشرة هي تراجع قروض الاستهلاك وخاصة قروض الاستثمار ..
ولن نذيع سرّا عندما نقول بان البنك المركزي سيضطر في القريب العاجل إلى مزيد الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية بما ينتج عنه مباشرة ترفيع في نسبة الفائدة في السوق المالية بما سيؤدي بصفة حتمية الى ارتفاع كلفة الاقتراض الاستثماري وما ينجر عنه من ترفيع في أسعار البضائع والخدمات وهذه هي الدوامة التضخمية التي تضرب في العمق قدرة البلاد على الادخار و على الاستهلاك وعلى الاستثمار أيضا ..
ولما نضيف إلى كل هذا أنه تم الترفيع مرتين في سعر المحروقات خلال ثلاثة أشهر فقط وأننا سنرى زيادات مماثلة كل ثلاثة أشهر وحتى إن كانت كل زيادة ، إلى حد الآن ، دون %3 بقليل ولكن أربع زيادات سنوية ستجعلنا نشهد زيادة في سعر المحروقات تتجاوز %10..
ولهذه الزيادات كما نعلم تأثير مباشر على الزيادة في معاليم اللوجيستيك (والنقل خصوصا) وكلفة الإنتاج الصناعي والخدماتي أيضا بما يفيد بأن عناصر التضخم ستستمر وستتفاقم هذه السنة ..
وإضافة إلى كل ما سبق نحن نعلم سلفا بأن ما يسمى بالتضخم المستورد والمتأتي أساسا من تراجع قيمة الدينار بالنسبة لأهم العملات الأجنبية وخاصة الاورو سوف يزداد بقوة هذه السنة لأن كل المؤشرات تفيد بان عملتنا الوطنية ستفقد ما بين %10 و%20 من قيمتها بالمقارنة مع العملات الأجنبية هذا إذا ما أخذنا مأخذ الجد «توصيات» صندوق النقد الدولي ..
إذن وفي المحصلة كل المعطيات تفيد بان بلادنا أصبحت على حافة انفجار تضخمي وما يخشى من التدخلات الإدارية للبنك المركزي – حتى وإن كانت ضرورية – أن تزيد في تعقيد الأوضاع ..
ولكن لا يمكن أن نحمل البنك المركزي لوحده مسؤولية التحكم في هذه الآفة الخطيرة فكل أجهزة الدولة والفاعلين الاقتصاديين مسؤولون عن هذا التطور الخطير ونحن نحتاج اليوم الى تصور عام لجملة السياسات العمومية الواجب اتخاذها حتى لا نعالج الداء بالداء . لن نعالج الانفجار التضخمي دون التوجه الفعلي إلى زيادة الإنتاج والترفيع في الإنتاجية ودفع التصدير والتحكم العقلاني في التوريد ..
لقد تحسن التصدير نسبيا خلال هذا الثلاثي الأول وتطورت نسبة التغطية من %66 في السنة الفارطة الى 73.6 % هذه السنة ولكن هذه النسبة بقيت هي هي في سنة 2016 والمفيد في هذا كله ان عجز ميزاننا التجاري إلى نهاية مارس الماضي قد بلغ 3655 مليون دينار واننا لو واصلنا على هذا النسق فسنكون في حدود 14.6 مليار دينار في هذه السنة .. وهذا يعني ضغطا إضافيا على مواردنا من العملة الصعبة ..
الوضع ينبئ بمخاطر عدة ولابد من الوقوف عندها بكل قوة وان نحدد السياسات العمومية المناسبة للتحكم في التضخم دون القضاء على المفاعل التنموي الأساسي وهو الاستثمار ..
إن تأخير الإصلاح والإنقاذ ستكون كلفته غدا مرتفعة للغاية ..