واختطاف وقتل وتهجير قسري وسبيّ، ومتاجرة بأجسادهن ومنع الصغيرات من ارتياد المدارس وتزويجهن بالإكراه، وامتهان كرامة العاملات والناشطات وغيرهن... فإنّ المقاومة النسائية على أشدّها... تنتفض النساء هنا وهناك للمطالبة بحقوقهن ومواطنيتهن الكاملة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية تعارض الحركات النسوية «ترامب» منذ إعلانه عن السياسات التي يعتزم تنفيذها فيتحوّل حقّ الإجهاض إلى أمّ المعارك.. وفي إيران تخاطر بعضهن بحياتهن من أجل تحرير آلاف الإيرانيات من الحجاب المفروض عليهن قسرا، وتغيير أوضاعهن... وفي أفغانستان تكابد النساء من أجل الدفاع عن حقّ الفتيات والنساء في التعليم والعمل...وفي اليمن وسوريا وليبيا والعراق وغيرها من «بلدان النزاع» تعاني النساء من انتهاكات كثيرة وعلى رأسها الحقّ في الحياة... وفي المملكة العربية السعودية لا تفارق الصدمة النساء بعد التحولات السريعة النسق التي قرّرتها السلطة السياسية...
أمّا في تونس فإنّ الحراك النسائيّ ملفت للانتباه خلال هذه الأشهر. ومما لاشكّ فيه أنّ الاحتفال باليوم العالميّ للمرأة يتّخذ نكهة خاصّة هذه السنة لأنّه يتزامن مع انطلاق حملة من أجل المطالبة بالمساواة في الميراث ستجسّدها المسيرة الكبرى التي ستتم يوم 10 مارس. وما يسترعي الانتباه في هذه الحملة أنّها تجاوزت الحدود الجندرية والعمرية والطبقية إذ لم يعد المطلب نسائيا صرفا بل انخرطت فئة من الرجال في المطالبة بعدم التمييز في الميراث. وتجلّت مشاركة التونسيات والتونسيين في الدفاع عن هذا المطلب في صور مختلفة منها: تبنّي الهاشتاغ #المساواة في الميراث حقّ مش مزية#، ومنها تذييل عدد من النساء والرجال صورهم في صفحات الفايسبوك بهذا الشعار، ومنها نشر بعض الفيديوهات التي تنقل مواقف بعض الناشطات والمثقفات من المساواة في الميراث وهنّ من عدّة بلدان في العالم ، وهو أمر يجسد استراتيجيات التشبيك والتضامن وفاعلية النسوية العابرة للقارات .
ونحسب أنّ مسيرة يوم 10 مارس 2018 ستعيد إلى الأذهان، صورة مسيرات أخرى لا تزال تفاصيلها عالقة في المتخيّل الجمعيّ، لعلّ أهمّها مسيرة 13 أوت 2013 من أجل استبدال التكامل بالمساواة، والتي استندت إلى تاريخ من النضال النسوي وكشفت للعالم مدى استماتة التونسيات في سبيل حماية المكتسبات وتضمين الدستور مواد تلزم الدولة باحترام مجموعة من القيم الإنسانية (الكرامة، العدالة، المساواة ...)والمحافظة على التزاماتها الدولية وتشرّع لعهد جديد يحدّ من الممارسات التمييزية والانتهاكات والعنف الذي تعاني منه النساء.
ونحسب أيضا أنّ هذه المسيرة ستكون علامة فارقة في تاريخ النضال النسائي ومحفّزا على طرح مسألة المساواة على طاولة النقاش المجتمعي بطريقة تقطع مع الاستخفاف أو اللامبالاة أو التوظيف السياسي أو التهميش...فقد أثبتت أغلب المنضويات تحت هذا الحراك الاجتماعي مدى إصرارهن وعزمهن على النضال وتمسكهن بحقوقهن ودفاعهن عن تصوراتهن ومواقفهن.
تعود الرمزية النضالية لليوم العالمي للمرأة وسيكتسي 8 مارس وما سيليه صبغة مغايرة. فهذه الأيام لن تكون مخصصة للاحتفالات الشكلية وللتغنّي بانجازات المرأة التونسية وترداد: «نساء بلادي نساء ونصف» بل إنّها ستكون أوّلا اختبارا لمسيرة التونسيات النضالية : فهل هنّ بنات الحداد أم بنات بورقيبة...؟ وثانيا عنوانا للوعي المجتمعي فإلى أي حدّ سيتقبّل التونسيون الحجج الجديدة المقدمة والقراءات المتنوعة وزوايا الطرح المغايرة؟ وثالثا امتحانا لأصحاب اليمين واليسار على حدّ سواء من يشيدون بتكريم الإسلام للمرأة ومن يعتبرون أنّهم «حداثيون» حتى النخاع فإلى أي حد سيفارق هؤلاء وضعا ملتبسا اتسم بالنفاق والرياء ؟
أجبرت التونسيات المجتمع على إعادة التفكير في الأحكام القطعية الدلالة والثوابت والمقدّسات ...وتخلّت المؤمنات بالمرجعية الحقوقية عن «ثوابتهن» وأبدين استعدادا للإصغاء إلى الطرح الديني الجديد والإقرار بأهمية التفاعل مع المكوّن الدينيّ ... نعم قرّرت التونسيات «رفع سقف› المطالب واستشراف المستقبل علّهن ينحتن مصيرا أفضل للأجيال الجديدة
ولأنّ التونسيات لسن قاصرات ولا تابعات وإنّما راشدات ومستقلات الإرادة فإنّهن لن يكنّ «بنات الحداد» ولا «بنات بورقيبة» إنّما هنّ هنّ...