وبناء علاقات جديدة معه وتغيير نظرة المواطنين إليه. ومنذ ذلك الزمن لم تعد ‘الشوارع العربية’ و’الشوارع الإسلامية’ مساحة للعبور فقط بل صارت في مرحلة ما بعد الثورة فضاءات لأشكال من التعبير السياسي-الاجتماعي والعاطفي الجمعيّ: الاحتجاج ، والتظاهر، والغضب والفرح و....
وما من شكّ في أنّ وتيرة الاحتجاجات في تونس بمعدل 1000 احتجاج كلّ شهر تثبت أنّ الاحتجاج صار من الممارسات المعهودة في الحياة اليومية للتونسيين خاصة في عدد من الولايات، وهي احتجاجات ارتبطت في الغالب بفئة الشباب واقترنت بالمطلبية والمظلومية. ولعلّ التصعيد الأخير يؤكّد عجز الحكومة عن إدارة هذه التحركات، وفهم أزمة الشباب الذين ما عادوا يكتفون بالزمن النهاري’المعتاد’ بل صاروا يفضّلون الليل على النهار وما عاد أغلبهم يسيطر على انفعالاته ويكتفي بالاحتجاج السلمي بل صار يجد مبرّرا لاستعمال العنف شكلا من أشكال الحضور لعلّ المسؤولين ينتبهون إلى وضعه.
إنّ الناظر في الاحتجاجات الأخيرة التي تزامنت مع ذكرى الاحتفال بالثورة التونسية ينتبه إلى عودة الشباب بأعداد كبرى إلى الشوارع فهل يعدّ هذا علامة على تشكّل “حركة شبابية جديدة’ تشقّ الحركات الاجتماعية لتستقل بذاتها من خلال اختيار أشكال مختلفة من الحضور من خلال رسم بعض الشعارات على الجدران وعلى القمصان، وغيرها من الممارسات الشبابية...؟ هل نستشف من وراء الاستماتة في سبيل احتلال الشوارع سعيا إلى امتلاك المواطنية الكاملة حتى وإن أدّى ذلك إلى استعمال العنف بعد أن استشرى التمييز والفرز بين الناس؟ ألا يعدّ إصرار المحتجين على قطع كلّ سبل الحوار مع ممثلّي الحكومة وسيلة لتفتيت السلطة وإعادة توزيعها وفق رؤية جديدة؟
لطالما اختزلت مطالب المحتجين في الحاجة إلى العمل واحتلال مواقع تضمن للفرد الكرامة ولكنّنا نقدّر أنّ احتياجات الشباب تتجاوز هذه الحقوق المادية ...إنّها رغبة في انتزاع الاعتراف وذلك من خلال مطالبة الجميع: أهلا ومسؤولين في مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية والاقتصادية والثقافية والهياكل السياسية والإعلامية بالإصغاء إلى أصوات الشباب وتمكينهم من مساحات للتعبير عن أنفسهم وتمثيل ذواتهم.
لقد دأب المسؤولون منذ الأشهر الأولى من الثورة، على تثمين دور الشباب في إسقاط النظام وفي إحداث تحولات كبرى في المنطقة وعملت مختلف وسائل الإعلام على الاحتفاء بمختلف الفئات الشبابية وتمكينها من التعبير عن طموحاتها ولكن سرعان ما تغيّر الخطاب وطبيعة العلاقة بين المسؤولين الجدد والشبان وصيغت صورة مغايرة فصار ينظر إلى الشبان على أساس أنّهم ليسوا ناشطين في المسار الديمقراطي وقادرين على تحقيق التغيير المنشود بل إنّهم صاروا يعرقلون المسار ، وهم اللاوطنيون، وهم المدمرون ، والمخربون...وهم المنفلتون من كلّ القيود والعابثون بالمعايير والتقاليد والمنظومة الأخلاقية...
وهكذا صارت الشوارع في صلب الصراع بين مختلف الفاعلين: بين من يهدد بالنزول إلى الشارع لاختبار موازين القوى بين الأغلبية والأقلية وبين من تغريه”سياسة الشوارع” من خلال المراقبة والتطويع والتأديب و... وبين من يرغب في تسييس الشوارع واعتبارها وسيلة للضغط من أجل إحداث التغيير أو لفرض مرئية السلطة.
ولعلّ الملفت للانتباه في هذا الصراع الجلي بين مختلف الفاعلين والفئات العمرية والاجتماعية من أجل فرض شكل من أشكال الحضور في الشوارع وتوزيع عادل للسلطة تمسّك رئيس الجمهورية وأغلب الوزراء الذين لا يهابون الاحتكاك بالجماهير، بشكل تقليدي في الحضور في الفضاء العمومي. إنّه حضور المعلم الملقن للدروس والواعظ الذي ينهل من مخزون التراث ويحاكي الزعيم. فهل بأشعار السموأل يتحقق التواصل مع شباب “السلام” والبريك دانس والراب والغرافيتي و....؟ بالفعل إنّ النخب لم تفهم الشباب وتصر على استمرار القطيعة.