الرقاب في العهد البائد. وبصرف النظر عن وجاهة الحجج المقدّمة في هذا الجدل فإنّ اللافت للنظر هو طريقة التوظيف لهذا الموضوع وما آل إليه النقاش في نهاية المطاف.
والمتابع لهذا الجدل لا يسعه إلاّ أن يستنتج الآتي:
- عادة ما ينظر إلى الشباب على أساس أنهم الفئة التي لم تشارك بالقدر المطلوب في الانتخابات فكانت غائبة باختيارها عن بناء المسار الديمقراطي، وهي تتحمّل مسؤولية ما يحدث من خروج عن المبادئ التي رسمت للتحوّل الديمقراطي. ولكنّ حركة «ماناش مسامحين» تثبت وجود وعي لدى مجموعة من الشبّان على وجه الخصوص الذين ما انفكّوا يقومون بالحشد علّهم يقفون بالمرصاد لهذا القانون، فهل يؤكّد هذا التحرّك على وجود فجوة جيليّة بدأت ملامحها تتضّح يوما بعد آخر؟
- إنّ عدم التفاف مختلف مكوّنات المجتمع المدنيّ حول حركة تناهض المصادقة على هذا المشروع ودعمهم الكامل لها يثبت بما لا يدع مجالا للشكّ، ضعف أداء المنضوين تحت المجتمع المدنيّ من جمعيّات وأحزاب ومنظمات وغيرها، وهو ضعف جعل حركة المقاومة تخفق في تكوين قوّة مضادة قادرة على التأثير في الرأي العامّ وتغيير الواقع. فهل نحن إزاء تحوّل في مسار المجتمع المدنيّ الذي ما عاد قادرا على الفعل في الواقع بنفس الوتيرة التي كان عليها منذ سنة 2012؟ وما هي أسباب هذا الضعف؟
- يلوح من خلال النقاشات التي حدثت داخل مجلس نواب الشعب وخارجه وعلى امتداد أشهر أنّ النخب السياسية تمرّ باختبار عسير وهو أمر جعل توحيد الموقف صعبا. أمّا الاستثناء فقد جاء على يد كتلة الجبهة الشعبية التي استطاعت أن تظهر في صورة الكتلة الموحدة. وبعد أن كان حزب النهضة الحزب الوحيد القادر على الحفاظ على انسجام عناصره وخضوعهم للأوامر ها أنّه يعيش انقسامات داخلية مثله مثل سائر الكتل.فهل أنّ الانضباط والالتزام وكلّ الضوابط التي كانت تحكم الحزب قد تغيّرت؟ وما هي الأسباب الثاوية وراء الخروج عن وحدة الصف؟
- كشف الخلاف حول قانون المصالحة عن حقائق مفزعة تثير مخاوف بشأن مآل مسار التحوّل الديمقراطي منها ما له وشائج ببروز ممارسات تعبّر عن إرادة الهيمنة وفرض السياسات بالقوّة، ومنها ما له علاقة بإصرار البعض على تجاوز الأعراف والتقاليد المنظمة للعمل السياسي، ومنها ما يتعلّق بتمثّل النوّاب للقانون، وللمصالحة فهل هي المصالحة بين طبقة الأغنياء والسلطة أم المصالحة بين المفسدين ومن يظهرون في لبوس ‹الطاهرين؟... ومنها ما يتصل بآليات المقاومة التي تلجأ إليها المعارضة. فإلى أي مدى ترتقي هذه الأساليب للمنشود وتعبّر عن ‹انتظارات› الناس؟
- تفضح طريقة تفاعل النوّاب داخل المجلس وخارجه عن تراتبية هرمية. فثمّة فئة تصرّ على «لعب دوري ركحي» حتى النهاية ضاربة بذلك آداب الحوار عرض الحائط، وثمة فئة تحاول قدر المستطاع أن تقدّم حججا مقنعة ولكنّها لا تنجح في أغلب الحالات، وثمّة فئة «بباغائية›› تعيد نفس الخطاب منذ أشهر وكأنّها لا تصغي إلى الآخر، وثمّة «كتلة صامتة» أو مصمتة إذ لا تظهر إلا عند التصويت،... وإذا كان حال التدرّب على النقاش على هذه الشاكلة مولّدا للتوتر فاضحا للعنف الممارس لفظيا ورمزيا وأحيانا ماديا ومؤديا إلى الشعور بالاستياء والقرف فلا عجب من أن تتدنّى صورة النواب لدى عامة الناس وأن لا يحظوا بالاحترام عند احتكاكهم بالمحتجين والمعتصمين.
مرّة أخرى يقيم الفاعلون السياسيون الدليل على عدم أهليّة أغلبهم للنشاط السياسي، وخضوع البعض منهم لاكراهات فرضتها موازين القوى، وميل بعضهم لخدمة مصالحهم ومصالح من كان لهم الفضل في ترشّحهم... وينبئ هذا المشهد بحدوث أزمة جديدة لا نتوّقع أن نجد لها حلاّ ناجعا.