ولكن الخطاب احتوى رسائل مبطنة لـ«الأصدقاء» وأخرى واضحة للخصوم..
• الرسالة الأولى ليوسف الشاهد كانت أن حكومته ملتزمة كل الالتزام بوثيقة قرطاج .. بل إنها الأكثر التزاما بها في إشارة لا تخفى إلى الأحزاب الممضية على هذه الوثيقة والتي التحقت اليوم بالمعارضة (الوطني الحر ومشروع تونس وحركة الشعب) وكذلك بعض الأصوات المتعالية داخل المنظمة الشغيلة والتي تقول كلّها بان حكومة الشاهد قد خرقت تعهداتها وقد تنكرت لوثيقة قرطاج ونهجها التشاركي.. وقد أراد صاحب القصبة التأكيد على أن كل من راهن على تشقق العلاقة مع المنظمات الوطنية قد فشل ثم ذكّر بالأحزاب المساندة حزبا حزبا (النداء والنهضة وآفاق والمبادرة والمسار والجمهوري) مطالبهم بالمساندة لمواصلة المشوار.
• الرسالة الثانية كانت إلى «الأصدقاء» وخاصة القيادات الندائية التي طالته سهامها خلال التسريبات الأخيرة وكيف انه «أدار ظهره» لحزبه وأحاط نفسه بوزراء ومستشارين يكنّون العداء لحافظ قائد السبسي وجماعته .فلقد عدد رئيس الحكومة الإشارة إلى «الإشاعات» والى استهداف الأشخاص وان حكومته ترحب بالأفكار والبرامج أما التجريح في الأشخاص فلا..
• الرسالة الثالثة كانت للمعارضات ،داخل المجلس وخارجه، ذات المرجعية اليسارية بأصنافها ..
رسالة بدأها باستعارة من كارل ماركس والتي يقول فيها «لقد اكتفى الفلاسفة بتأويل (تفسير) العالم بأشكال مختلفة والآن ينبغي تغييره» وكأنه أراد أن يقول أن معارضيه من اليساريين قد قنعوا بموقع التحليل وتشخيص الواقع ولكنهم لم يتحولوا بعد إلى الرغبة الفعلية في إصلاحه لانّ الإصلاح لا يكون إلا في إطار الممكن لا الشعارات العامة.
• الرسالة الرابعة والاهم هي للشركاء الاجتماعيين وخاصة لاتحاد الشغل وهي عناوين الإصلاح للمرحلة القادمة : إصلاح الوظيفة العمومية وإصلاح المؤسسات العمومية وإصلاح منظومة التضامن الاجتماعي والتقاعد..ومن وراء كل ذلك توجه هذه الرسالة إلى صندوق النقد الدولي وسائر المؤسسات المالية والدولية ..حكومة الشاهد تريد معالجة الأزمة المستفحلة في المالية العمومية وذلك بدءا بالتحكم في كتلة الأجور وبيع المساهمات الثانوية للدولة في عدة بنوك خاصة والتفويت ،بعد الهيكلة، في مؤسسات عمومية في القطاع التنافسي والاحتفاظ فيما يبدو ، ببنك عمومي وحيد (الشركة التونسية للبنك؟) لتمويل الاقتصاد وخوصصة الآخرين ثم إيجاد الحلول لنزيف الصناديق الاجتماعية والتي ستبلغ ديونها مجتمعة لهذه السنة فقط حوالي ملياري دينار...
هذه الرسائل التي أراد أن يوجهها صاحب القصبة مشددا أن البلاد على
«السكة الصحيحة» وأن المؤشرات الأمنية والاقتصادية ايجابية رغم صعوبة الظرف وان تحقيق نسبة نمو بـ %2.5 خلال هذه السنة هو في متناولنا..وأن الحكومة قد تقدمت في كل الملفات التي حوتها وثيقة قرطاج في محاربة الإرهاب ومكافحة الفساد وإنعاش الاقتصاد وتحسين نظافة البلاد ومعالجة انخرام المالية العمومية ..
بطبيعة الحال خطاب رئيس الحكومة لم يقنع المعارضة ولسنا ندري هل سيقنع الشركاء الاجتماعيين ولاسيما اتحاد الشغل عندما ننتقل من العناوين الكبرى للإصلاح إلى حيث يقطن الشيطان أي التفاصيل والبرامج الملموسة ونحن نعلم سلفا أن التوافق في مثل هذه الملفات يعني في اغلب الحالات الجمود والعزوف عن الفعل تجنبّا لتصدع صف الشركاء..
لم نكن يوم أمس أمام جلسة منح الثقة لعضوين جديدين في حكومة الشاهد بالمعنى الدقيق للكلمة بل أمام عرض لما أنجز والإعلان عن عناوين الإصلاح القادمة ..وبهذا الاعتبار ستكون سنة 2017 سنة الحكم الفعلية على حكومة الشاهد فإما انجاز ملموس لكل هذه الوعود والإصلاحات فمواصلة للمشوار في ظروف أفضل أو الإقرار بمواصلة الإخفاق تنمويا بداية وفي وتيرة الإصلاح ثانية وعندها قد نصبح في أزمة تعصف بمنظومة الحكم بأسرها..
يعتقد يوسف الشاهد انه قد وضع البلاد على السكة الصحيحة ولكن سكّته هو مازلت لم تستقر بعد..