إلى أنها حجة على تضخم أنوات بعض السياسيين الذين خاضوا تجربة الانتخابات أو الحكم ولم تكلل جهودهم بالنجاح ومع ذلك، نراهم يتمسكون بوهم الحصول على السلطة.وبقطع النظر عن تباين الآراء حول موضوع إنشاء الأحزاب فإنّ المهمّ في نظرنا، تبيّن وجاهة الحجج التي يسوقها أصحابها لتبرير عودتهم إلى الحياة السياسية في «حلّة» جديدة.
ينطلق «السياسي المجدّد» عادة من عمليّة توصيف واقع البلاد توصيفا مبالغا فيه. فالحكومة تسير في طريق غير صحيح أو مسدود ولا شيء يعجب في اختياراتها ... وهو يتعمد بذلك خلق أو تفعيل حالة من عدم الرضا المطلق والشعور الحاد بالتبرم واليأس ... وفي الآن نفسه تذكير الجمهور بالشواهد الدالة على صدقية توصيفه للوضع وشرعية بحثه عن البديل فيتم بذلك استدراج الباحثين عن مخرج أو الفضوليين وغيرهم من المهتمين بالعمل السياسي. غير أنّ هذا الخطاب يفتقر، في نظرنا إلى عدّة مكونات باستطاعتها أن تساعد بالفعل على ضخّ روح جديدة في العمل السياسي في المرحلة الراهنة. ويمكن أن نجمعها في الآتي:
- كلّ مبادرة أو مشروع سياسي يحتاج إلى خطاب يسوّق «أفكاره» ويضفي عليه الشرعية المطلوبة ويفتح له مسالك لإعادة التموقع في الحياة السياسية. فهل استطاع «السياسي المجدّد» أن ينتج خطابا سياسيا مغايرا لما هو موجود وبمضامين جديدة جذابة ومغرية ويقطع مع اللغة المألوفة؟ وهل استطاع أن يصوغ خطابا «يأسر» الجماهير المتعطشة «للزعيم المخلص»؟
- تتعدّد أشكال الكاريزما منها ما هو موصول إلى القدرة على اكتساب مهارات خطابية وحسن توظيفها،ومنها ما هو مرتبط ‘بهبة ربانية’ (كالصفات الجسدية ، نبرة الصوت، طريقة التحديق في الناس، الابتسامة..)ومنها ما له وشائج بالتــاريخ الشخصـي (النسب، المنجزات التاريخية ،الخبرة، الثقافة العامة...) ومنها ما له صلة بالآراء وطريقة العمل المبتكرة .فهل تتوفر هذه الكاريزما لدى أصحاب المبادرات والتي باستطاعتها أن تستقطب الباحثين عن «صورة الأب الحامي» أو الكهل المقدم لرؤية فريدة لإرادة الشأن السياسي تتميّز بالجدّة والطرافة و«السحر» والطاقة المحررة؟
- دأب السياسيون على بناء تصوراتهم للعمل الحزبي على قاعدة النظام الثنائي المتضاد:نحن في مقابل الآخر: الأحزاب الحاكمة/الأحزاب المعارضة. ولئن كان هذا التصور معهودا في مجال التنافس السياسي بين الخصوم أو الفاعلين فإن التجربة الناشئة أثبتت على الأقل، على المستوى البرغماتي، رغبة في الخروج من هذا البناء الثنائي في سبيل توسيع قاعدة العمل المشترك وفق «سحر التوافق» ولكن نرى أن المبادرات تعود بنا إلى مربع الاستقطاب وكأنه لامجال للإقناع بأهمية إنشاء حزب جديد إلاّ إذا تأسس على نقيض الآخر . وبعد أن كانت النهضة «البعبع» والكلمة ذات نجاعة في إقناع الجموع بضرورة الانضمام إلى حزب النداء صار أداء «الندائيين» وخيبة التونسيين في معظم قياداته محفّزين على الانخراط في المشاريع الجديدة ولكن ألا يخفي هذا التصور غياب المشاريع الحقيقية التي ينبني عليها الحزب أو هشاشتها؟ وهل تؤسس الأحزاب باعتبارها ردّ فعل ومشروع إنقاذ؟
ولا نبالغ إن اعتبرنا أنّ افتقار المشاريع «البديلة» إلى آراء ومبادئ، أي غياب المعنى وارتهانها لفكرة تسويق صورتها وانشغالها بالدعاية على حساب التقويم والمراجعات الفعلية جعلها لا تجد رواجا. فكيف لمشروع حزب فتيّ يعمل على مخاطبة العواطف قبل العقول ويتعمد تحريك انفعالات الجماهير (الغضب، الخوف،..) أن يلاقي الترحيب وهو الذي استثمر المشاعر العامة فجعلها ركيزة العمل السياسي؟ وكيف لمشروع حزب فتي لم يُخضع أتباعه لعلاج نفسي يطهّرهم من أدران «الزبونية» والنرجسية’ والتلاعب والهواية ...أن يعد بالتغيير الفعلي؟