واتفاق وقف إطلاق النار، والأهم الذهاب إلى أساليب ضغط مختلفة تستهدف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشكل مباشر عل ذلك يدفعها إلى الرضوخ لمطالبهما.
في خطوتين غير مسبوقتين كشف عنهما خلال اليومين الفارطين، أولاهما كانت المباحثات المباشرة بين الإدارة الأمريكية وحماس في الدوحة بقيادة المبعوث الخاص لإطلاق سراح الرهائن، آدم بولر، وأعلن أنها تأتي في إطار جهود إنهاء الحرب في غزة، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية التي كانت ترفض التفاوض المباشر مع حماس بسبب تصنيفها الرسمي كمُنظّمة إرهابية منذ عام 1997، اختارت الآن تغيير مسارها من خلال فتح باب الحوار معها.
هذه المباحثات المباشرة، وأيًا كانت نتائجها، بمثابة تغيير جذري في أسلوب إدارة الأزمة، فمقابل الاعتراف بأن المقاومة هي أبرز فاعل محلي وإقليمي في الوقت الراهن يقع توجيه الضغط الأمريكي مباشرة وبكثافة تُمارَس على حماس التي يقع التفاوض معها تحت تهديدات الرئيس الأمريكي ترامب.
و في خطوة غير مألوفة، هدد الحركة في تدوينه له عبر منصة «تروث سوشيال» بشكل مباشر ومفاجئ، فهو يخيرها بين الإفراج الفوري عن الرهائن وإعادة جثث القتلى أو مواجهة «الجحيم»، وذلك بالتزامن مع التفاوض المباشر مع الحركة التي يبدو أن ما يُقدم إليها اليوم من خيارات هو ما كشفه الرئيس الأمريكي ترامب في تدوينته التي طالب فيها بإطلاق جميع الأسرى وتسليم الجثث ومغادرة قادة الحركة للقطاع.
هاتان الخطوتان المتصلتان تعكسان إدراكًا أمريكيًا بأن الحرب لا يمكنها أن تنتهي دون الوصول إلى اتفاق مع حركة حماس التي يفاوضها اليوم بورقة التهجير والجحيم أو مغادرة قادتها لغزة، وهذه الخيارات على ردائتها، تعكس وعيًا استراتيجيًا أمريكيًا بأن استمرار الوضع الراهن في غزة قد يسرع في تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة برمتها، خاصة في ظل عنجهية الاحتلال الذي بات يتوسع في مناطق سورية ويعيد تشكيل خارطة المنطقة.
فالضغط الموجه إلى المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس هو جزءٌ من استراتيجية أوسع تهدف إلى الظفر بأحد الهدفين: كسر الروابط بين المقاومة وحاضنتها الشعبية أو إجبار المقاومة تحت هذا التهديد على التخلي عن سلاحها ومغادرة قادتها للقطاع، أي أن الإدارة الأمريكية ومن خلفها الاحتلال يبحثان اليوم عن كل السبل التي قد تدفع المقاومة إلى تقديم تنازلات سياسية وعسكرية مقابل تخفيف الضغط على المدنيين في غزة وإعادة النظر في مسألة التهجير.
ثنائية الضغط وتبادل الأدوار بين الاحتلال والإدارة الأمريكية تكشف التحركات الأخيرة لكليهما؛ ففي ظل التهديدات الأمريكية ومفاوضتها المباشرة مع المقاومة، يواصل الاحتلال منع المساعدات الإنسانية واستخدام سياسة التجويع كورقة ضغط على حماس دون أي موقف أمريكي أو غربي واضح مما يحدث.
صمت دولي يتقاطع مع صمت عربي لم تكسره الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة ولا بيان القمة العربية في القاهرة التي تسوق مرة أخرى لحل الدولتين مقابل التطبيع والعيش المشترك، مع تلميحات مبطنة وصريحة بممارسة الضغط على المقاومة الفلسطينية.
كل هذه الأحداث والعناصر تكشف اليوم أن الضغط على حماس، عربيًا أو من قبل الاحتلال واليوم من قبل الإدارة الأمريكية، يكشف أن التحالف الأمريكي في المنطقة والذي يضم دولًا عربية يقرّ بشكل غير مباشر بقوة المقاومة وبثقلها الذي جعلهم في الوقت الذي يمارس فيه الاحتلال سياسات الضغط والتجويع، يوجهون ضغطهم للمقاومة في محاولة لتحقيق توازن في المعادلة بكسر حالة المقاومة وإنهاء وجودها عبر تداخل وتضافر جهود كافة هذه الأطراف.