ان اليمين المتطرف ممثلا في حزب «البديل من اجل المانيا» بات قوة سياسية وازنة في المشهد التشريعي والسياسي معلنا عن اكتمال الانحراف الي اليمين في الساحة السياسية الاوروبية.
ولم تكن الانتخابات الالمانية الاخيرة اول انتخابات توصل عبر صناديق الاقتراع اليمين الشعبوي الى المشهد والمشاركة في تشكيله سواء بالحكم مباشرة او بتشكيل ثقل تشريعي يسمح بالتاثير باوجه عدة في العملية السياسية، اذ شهدت أوروبا تحولات سياسية عميقة كانت الانتخابات الاوروبية اخر جولة فيها كشفت عن تزايد المخاطر التي تهدد الديمقراطية التقليدية واستقرار اوروبا.
بصعود أحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية، وآخرها الانتخابات الألمانية التي أدى توظيف ملف الهجرة لاقناع الناخبين، الى فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف بـ20,5 ٪ من الاصوات في اختراق تاريخي للحزب الذي انشئ في 2013 وحقق في انتخابات 2021 10 ٪ من الاصوات.
هذا الاختراق الذي حققه حزب البديل واصبح به القوة السياسية الثانية في البلاد، متجاوزًا الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، يعكس تحولًا سياسيًا خطيرًا في ميول الناخبين الاوروبين نحو اليمين، متاثرين بخطاب قومي شعبوي، يوظف المخاوف من قضايا مثل الهجرة والتغيرات الديموغرافية.
قضايا كيفت خلال العقد الماضي مزاج الناخبين واثرت في خياراتهم التي بات يحددها ما يطرحه اليمين من سياسات في قضايا الهجرة والأمن، اذ تعهد حزب «البديل من أجل ألمانيا» باتخاذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين، بما في ذلك تقييد اللجوء وترحيل المهاجرين غير النظاميين وتشديد الرقابة على الحدود.
هذا الخطاب وجد صدى لدى شرائح واسعة من الناخبين، خاصة في المناطق التي تشهد بطالة مرتفعة وتحديات اقتصادية شكلت ارضا خصبة للاحزاب اليمينية كذلك للنازين الجدد ومكنتهم من التاثير على الساحة السياسية التي ارتفع فيها منسوب التعصب.
صعود اليمين المتطرف في ألمانيا ليس حدثًا معزولًا، بل يأتي ضمن موجة أوسع في القارة الأوروبية، حيث عززت الأحزاب القومية والشعبوية مواقعها في دول مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا.
أحزاب اليمين المتطرف باتت تقود هذا التحول في المشهد الاوروبي وتعلن عن مواقفها المناهضة للتكتل الاوروبي او الداعية الى تقييده مما قد يؤثر بشكل مباشر على سياسات الاتحاد الأوروبية في عدة ملفات ابرزها الهجرة بما قد يؤدي إلى إعادة النظر في اتفاقيات اللجوء وسياسات الحدود المفتوحة.
هذه التغيرات في المشهد السياسي الغربي وصعود اليمين الشعبوي الذي يتبنى خيارات سياسية صدامية وعدائية للاخر، لا تجعل فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الاوروبية مرحلة ظرفية ستمضى دون ان تغير المعادلة برمتها. منذ سنوات شهدت الدول الاوروبية الغربية وخاصة المانيا و فرنسا وايطاليا والنمسا صعود الخطاب المتطرف وارتفاع جمهوره بما منح الاحزاب اليمنية مساحات وهوامش حركة سياسية في اوروبا وفي العالم.
فهل ستنجح أوروبا في مواجهة هذه الموجة الشعبوية، أم أن المستقبل سيشهد مزيدًا من التحولات التي قد تعيد تشكيل الخريطة السياسية للقارة ومعها العالم، بما يهيئ لمناخات مشابهة لما كانت عليه قبل الحربين العالميتين الاولى والثانية.