تحمل إجابات المقاومة الفلسطينية على ما يصدر من إشارات عن الاحتلال وحلفائه أو دول المنطقة والتي تعيش على وقع محاولات إعادة رسم المشهد الإقليمي من قبل الولايات المتحدة التي تدفع إلى مرحلة جديدة من التصعيد ترغب من خلالها في ترتيب جغرافية المنطقة.
رسائل المقاومة التي توجه عبر اختيار مواقع تبادل الأسرى أو ما تحمله معلقاتها أو عرضها العسكري المصاحب من إشارات كالتي وردت في عملية التبادل الأخيرة وكانت محمّلة بأكثر من دلالة ومعنى، جاءت هذه المرة أكثر وضوحًا وصراحة بالإعلان أن «المقاومة هي اليوم الموالي»، للتأكيد على أن رسم مستقبل غزة لن يتم دون المقاومة وأن ذلك لن يتم على حساب ثوابتها.
فقد رفعت المقاومة الفلسطينية شعار «نحن الطوفان… نحن اليوم التالي»، معلنة عن ردها على ما صدر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي بات يسوق لعدة خيارات لتحديد مستقبل غزة دون فلسطينيين، وتلويحه ضمنيًا أن القطاع أمام خيارين لا ثالث لهما، الجامع بينهما هو تهجير الفلسطينيين من أرضهم لصالح الاحتلال أو أمريكا اللذين باتا اليوم يسوقان لترتيبات جديدة للقضية الفلسطينية، عنوانها الأبرز تصفية القضية الفلسطينية والرفض الصريح لإقامة أية دولة حتى وإن كانت منزوعة السلاح والسيادة.
ذلك ما حملته كلمات نتنياهو الأخيرة التي هدّد فيها المقاومة بالمحاسبة على ما وصفه بـ«الانتهاكات المستمرة» لمضمون اتفاق تبادل الأسرى، مما يلقي بظلاله على انسحاب جيش الاحتلال من محور نتساريم، وذلك يمكن أن يُقرأ على أنه إجراء تمهيدي لإعادة انتشار جيش الاحتلال استعدادًا لاستئناف حرب الإبادة على القطاع. ويبدو أن هذه هي الرسائل التي يوجهها الاحتلال للفلسطينيين ودول المنطقة بهدف الضغط عليهم مع انطلاق مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى.
تطورات تجعل الأوضاع في غزة مفتوحة على العديد من الاحتمالات، إذ إن المتداخلين في المشهد عديدون، كل منهم يرفع سقف مطالبه ويعلن عن «مطامحه» في الوقت الذي تنطلق فيه المرحلة الثانية من المفاوضات التي ينتظر منها أن تقر نهاية الحرب التي يبدو أن الاحتلال لا طاقة له باستئنافها دون دعم دولي مطلق ولا يمكنه اليوم المغامرة بالذهاب إليها دون موافقة الإدارة الأمريكية التي يبدو أنها توجه إشارات متناقضة، فهي تسوق للتهجير القسري ولكنها ترفض التصعيد العسكري لتجنب تعقيد المشهدين الإقليمي والدولي.
رفض التصعيد لا يعني أن الإدارة الأمريكية لا تدعم خطط الاحتلال وطموح قادته التي يكشفها رئيس وزراء الاحتلال، وأبرزها أن الوضع في قطاع غزة لن يعود إلى ما كان عليه وأنه سيقع القضاء على المقاومة، وتحديدًا حركة حماس، وتفكيك قدراتها العسكرية وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار،. هذه المرة لا يقتصر الأمر على مصر والأردن كما يسوق ترامب، بل إلى السعودية التي يقترح رئيس وزراء الاحتلال أن تقام دولة فلسطينية على أراضيها دون أن يغفل عن التأكيد على أن مسار التطبيع معها لا يزال قائمًا بل ويقترب من التحقيق.
طموح الاحتلال ومن خلفه الإدارة الأمريكية بإعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحهما لا يصطدم بمواقف عربية رسمية رافضة ومتمسكة بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع فقط ، بل يواجه ما هو أشد صلابة من مواقف قد لا تصمد طويلا. مقاومة حرصت خلال عمليات التبادل للأسرى الخمسة على أن توجه رسائل صريحة ومبطنة تعلن فيها أنها قادرة على الاستمرار في الحرب مع الاحتلال وإرهاقه، وأنها تحظى بحاضنة شعبية تحميها من أي محاولات انتزاع أو اجتثاث من بيئتها.
ما تعلنه المقاومة من أنها هي اليوم الموالي، ليس استعارات لغوية أو شعارات للاستهلاك المحلي أو الدعائي، بل هي رسائل سياسية واستراتيجية تعلن من خلالها أن السلام في المنطقة لن يتحقق دون دولة فلسطينية، حتى وان وجد الاحتلال دعمًا أمريكيًا غير مسبوق وصمتًا وتواطؤًا عربيين كشفهما الاحتلال في أكثر من مناسبة بفضح مطالبة دول عربية له بالقضاء على المقاومة أو بكشف مضمون نقاشات التطبيع.
ويبقى أبرز ما تعلنه المقاومة أن مستقبل غزة وفلسطين يحدده الفلسطينيون وحدهم، وأن لا قائد عربي أو غربي ولا نظام ديمقراطي أو دكتاتوري يمكنه أن يفرض إرادته عليهم، وهذه الرسالة ليست حكراً على المقاومة، ذلك ان جل الفلسطينيين في قطاع غزة عبروا عنها بعودتهم إلى منازلهم والاحتماء بحطامها تمسكا بأرضهم وحقهم