وكيفية ادارته بهدف الخروج من الازمة التي حرص على ابراز إدراكه لها وعزمه على معالجتها، هذا في مستوى الخطاب على الاقل والذي عكس نوايا الحكومة دون ابراز كيفية تحقيقها، خاصة اذا تعلق الامر بنسبة النمو المستهدفة وهي 3,2 ٪.
في الخطاب الذي راوح فيه رئيس الحكومة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان جل ما قدمه تصورات عامة وخطوط عريضة تشكل ما يمكن اعتباره ملامح تصور اقتصادي واجتماعي للحكومة التي وضعت نصب عينيها تحقيق نسبة نمو تقدر بـ3,2 ٪ خلال سنة 2025 مشددة على واقعيتها وقدرتها على بلوغها رغم النمو الهش الحاصل خلال سنوات 2022 و 2023 و2024.
3,2 ٪ نسبة شدد المدوري على انها ممكنة التحقيق وواقعية، دون ان يعلن عن كيفية تحقيق هذه النسبة التي تعتبر تقنيا فوق سقف النمو الممكن للاقتصاد التونسي الذي قدر في سنتي 2023 و2024 بثلاث نقاط وبنقطتين، اي انها تتجاوز في افضل الاحوال الحد الاقصى الممكن تحقيقه في الاقتصاد التونسي بـ0,2 نقطة وفي اسوء الاحوال 1,2 ٪، باعتبار ان سقف النمو يخضغ للمراجعة وفق جملة من المعطيات التي تمزج بين مؤشرات الاقتصاد الكلية ووضع ادوات الانتاج وخلق الثروة وحجم العائدات المتاتية من خارج البلاد.
اما السؤال الجوهري الذي اثارته كلمة المدوري فهو كيفية تحقيق هذه النسبة من النمو، اي كيف ستتمكن حكومة من دفع الاقتصاد ومحركاته لانتاج ثروة تتجاوز ما حققناه خلال 2024 بثلاث نقاط، الاجابة هنا لم يقدمها المدوري، او على الاقل، لم يكن حاسما وواضحا فيها.
ما قدمه رئيس الحكومة في بيانه هي الخطوط العريضة لبرنامج حكومته و نواياها التي تتضمن اطلاق الاصلاحات وسن القوانين وتحفيز الاستثمار، وهي الى حد الان مجرد نوايا اكثر من كونها برامج عامة تغيب عن جزء واسع منها الدقة التي يفترضها تناول الشان الاقتصادي.
دقة نجم عن غيابها خلال السنوات الفارطة من جل الحكومات ادت في النهاية الى تقديم توقعات وفرضيات للنمو مغايرة لما وقع تحقيقه مع نهاية كل سنة، وذلك نتيجة الاستناد الى قراءات وتداخل جملة من المعطيات السياسية التي أثرت على العملية الاقتصادي وافقدتها قدرتها على الاستشراف الدقيق وحسن التخطيط، والخشية اليوم ان نكون امام استمرار خطإ التقدير.
ما قدمه رئيس الحكومة كمال المدوري، حتى وان لم نحكم بخطإ تقديراته او عدم واقعيتها الا انه لا يمكننا الجزم بدقتها نظرا الى ان الخطاب الحكومي او الوثائق التي قدمت سواء منها مشروع قانون مالية 2025 او التقرير المرافق له، لا تنقلنا من الخطوط العريضة لبرنامج الحكومة الى برنامج مفصل يعكس التملك التقني والفني .
ما يقدم هنا قراءات تستند الى ان الاستقرار السياسي والمؤسساتي وتحسن الاداء الاقتصادي في السنتين الفارطتين، اضافة الى هذه الثورة التشريعة التي انطلقت لتوفير عوامل الاقلاع الاقتصادي وفق بيان الحكومة ووثائقها لتحقيق هذه النسبة من النمو المقدرة بـ3,2 ٪.
هذا التقييم الايجابي للوضع الاقتصادي واعتبار ان اداءه العام تحسن، يبدو انه استند الى مؤشرات عامة من بينها العجز التجاري والتضخم والمديونية الخارجية واغفل بقية المؤشرات والتي تتضمن الانفاق الاستهلاكي والاستثمار وغيرها من المؤشرات التي تكشف عن الثمن الباهظ لتحسن المؤشرات العامة . مما قد يتعارض مع تلميح الحكومة الى تحسن الاقتصاد التونسي وانه في طور الانتقال من الصمود الى الاقلاع، في اشارة ضمنية الى ان السلطة هيأت ما تعتبره اساسيا لتحقيق هذا التعافي الاقتصادي كما هيأت ظروف عودة عمل ادوات الانتاج ومحركاته وتذهب الحكومة ورئيسها الى ابعد بالقول بان البلاد امام فرصة لتغيير هيكلي وبنيوي للاقتصاد الوطني الذي سيكون مستفيدا، وفق رئيس الحكومة، من الثورة التشريعية التي انطلقت والتي تتضمن اصلاحات لقوانين وسن اخرى جديدة، مما قد يبين ان الحكومة كجل الفاعلين السياسيين وقعوا في سوء تقدير تاثير التشريعات والقوانين على الاداء الاقتصادي.
اذا لم يكن بامكاننا انكار او نفي التاثير الايجابي للتشريعات وللشفافية والمناخ السليم للاستثمار والاعمال في تحفيز الاقتصاد الا انه يمكننا اعتبار ذلك ثانويا مقارنة بغيره من العناصر ذات الاهمية والتي من بينها وضعية محركات الانتاج وطاقة انتاجها القصوى وطبيعة الاستثمارات وحجمها ونصيب الاستثمار العمومي منها، اخيرا حجم السوق الاستهلاكي وعائدات مصدرها خارجي كالسياحة وتحويلات التونسيين.
عناصر عدة يجب النظر اليها كوحدات تشكل المشهد الاقتصادي برمته وتسمح بقراءته ومحاولة توقع نموه، هنا سنجد اننا امام انفاق استهلاكي ضعيف يشهد تباطؤا في النمو مع انكماش احيانا، كما نسجل غياب الاستثمارات الكبرى القادرة على احداث رجة تسمح باشتغال بعض روافع التنمية في البلاد ومحركات الانتاج التي تنتج بضائع وسلع وخدمات تسوق محليا او خارجيا.
هنا تغيب المشاريع الكبرى ويغيب الاستثمار العمومي الضخم، مما يعني ان اهم فاعل اقتصادي اليوم في تونس وهو الدولة سيحافظ على سياساته الانفاقية والاستثمارية التي انتهجت خلال السنوات الفارطة اي انه لن يضخ في الدورة الاقتصادية استثمارات هامة أو نفقات استهلاك ضخمة. مما يطرح السؤال مجددا كيف سنحقق هذه النسبة ؟