لا يمكن للمؤشرات والفصول القانونية ان تقدم صورة مكتملة في ظل غياب نص «تقرير المالية» الوثيقة الاطارية التي تسمح بتشكيل صورة عامة وشاملة عن السياسات المالية والعمومية للبلاد خلال السنة القادمة.
في وثيقة نشرت خلال الساعات الفارطة حملت عنوان «مشروع قانون مالية 2025» وقع الكشف عن جملة من التوازانات المالية العمومية العامة، من قبيل حجم موارد الدولة ونفقاتها وحجم عجز الميزانية وحاجيات التمويل عبر الاقتراض وغيرها من التفاصيل العامة التي ولئن كشفت عن معطيات وارقام الا انها، في غياب المؤشرات الاطارية، تظل غير كافية لتشكيل صورة اولية عن مشروع القانون.
في نص الوثيقة التي تم ايداعها في مكتبي مجلس النواب ومجلس الاقاليم والجهات، كانت ابرز الارقام المعلن عنها تتعلق بحجم نفقات الدولة، والتي قدرت بـ59,828 مليار دينار فيما قدر حجم مداخيل ميزانة الدولة بـ50,028 مليار دينار، مما سيفضى الى عجز للميزانية بـ 9,8 مليار دينار.
هذه الارقام لوحدها لا يمكن ان تشكل صورة اولية عن التوازنات المالية للسنة القادمة، حتى وان اضيف اليها حجم حاجيات التمويل للميزانية والتي قدرت بـ 28,230 مليار دينار، التي ستخصص لسد عجز الميزانية و18,203 مليار دينار لسداد اصول الديون المستوجبة خلال السنة المالية القادمة والتي ستدفع الحكومة التونسية للجوء الى الاقتراض بهدف سد هذه الحاجيات.
هنا تكشف الوثيقة عن ابرز ما تضمنته من معطيات يمكن ان تساعد على تشكيل صورة عن طبيعة الرهانات القادمة، اذ يتضح وفق نص مشروع قانون المالية ان الحكومة التونسية ستتجه لاقتراض 21,872 مليار دينار من السوق الداخلية، مما يضعنا امام مشهد نادر يكون فيه حجم الاقتراض الداخلي ارفع من الاقتراض الخارجي.
هذا الوضع غير المسبوق في قوانين المالية السابقة، التي وقع التعويل فيها على الاقتراض الخارجي لا لسد عجز الميزانية ولكن لتوفير مصدر عملة اجنبية في ظل العجز التجاري المرتفع. هذا التوجه الى السوق الداخلية لتعبئة 78 ٪ من حاجياتها للتمويل يقترن مع تراجع الاقتراض الخارجي بالعملات الاجنبية الذي ينتظر ان تبلغ قيمته بالدولار، 1.9مليار دولار أي ما يعادل 6,13 مليار دينار تونسي.
هذا التعويل قد يؤثر جزئيا على موارد الدولة من العملة الاجنبية مما يعني ان الحكومة ستحافظ على سياساتها في علاقة بترشيد الاستيراد بهدف مزيد التحكم في عجز الميزان التجاري، وليس هذا ابرز ما يتجلى من هذه الارقام والنسب، لكن الأبرز حجم الضغط المتصاعد على السوق المالية الداخلية التي قد تتاثر باشكال عدة من فرط الاعتماد عليها لتمويل ميزانية الدولة على حساب تمويل الاقتصاد العام والاستثمار.
ضغط قد ينتقل بدوره من السوق المالية الداخلية الى البنك المركزي، خاصة وان الحكومة لجأت في السنة الفارطة الى تمرير قانون يسمح لها بتعبئة موارد مالية بقيمة 7 مليار دينار لتمويل الميزانية، وقد يتكرر هذا مرة اخرى، واذا حدث ذلك ستتضح تداعياته تباعا على المؤشرات المالية وعلى الاقتصاد بشكل عام.
هنا ايضا يتضح من تقديرات الحكومة لحاجيات التمويل انها تراهن على حماية توازناتها المالية في ظل آفاق اقتصادية غير مشجعة، كشفت عنها ضمنيا في اعلانها عن حجم مواردها المالية التي ارتفعت بـ864 مليون دينار بنسبة نمو تقدر بـ1,75 ٪ عن السنة الفارط، مما يعنى ان تقديرات النمو الحقيقي قد تكون دون هذه النسبة.
التلميح بضعف النمو يتجلى في معدلات نمو ابواب الميزانية العامة، من نفقات او مداخيل وعائدات جبائية وغيرها من المؤشرات التي تبرز جزءا من الصورة العامة للتوازنات المالية للبلاد في سنتها القادمة، ويظل هذا الجزء قاصرا عن الشكف ولو جزئيا عن المشهد الاقتصادي والاجتماعي القادم