لاعلانها عن تاريخ يوم الاقتراع في الدور الاول من الانتخابات الرئاسية وبين صدور الامر الرئاسي لدعوة الناخبين، كشفت الهيئة انها انطلقت في ممارسة سلطتها الترتيبية وولايتها العامة على الشان الانتخابي، وهو ما يعني انها باتت تراقب الساحة السياسية وتخضع الشان الانتخابي لسلطتها في تكرار لما عاشته البلاد في الانتخابات المحلية التي عاشت فيها البلاد على وقع تحصين قانوني ضد النقد او التقييم سواء أتعلق الامر باعمال الهيئة أو بالمسار الانتخابي.
واقع اعلنته الهيئة في بلاغ صادر عنها بداية يوم الاثنين الفارط، اذ تضمن بلاغها اشارة الى ان العمل الرقابي للإدارة المركزية للشؤون القانونية ومراقبة الحملة لن يقتصر على فترة الحملة الانتخابية بل سينطلق منذ بدء التحضير للانتخابات لضمان تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة خالية من كل مظاهر المال السياسي الفاسد أو التأثير على إرادة الناخبين الحُرّة والواعيـــة، ويبدو ان القصد هنا اخضاع المشهد السياسي الى الضوابط التي لا تكشف عنها الهيئة وتتركها مبهمة رخوة غير قابلة للتمثل او التشكل في اطار محدد وواضح.
هذه الحدود الرخوة التي تضعها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لا تكشف عن ضوابطها ولا اطرها حتي في تصريحات اعضائها (انظر مقال كريمة الماجري) وما يقع الاقتصار عليه هو الاشارة الى انه كلما طرح الشان الانتخابي اليوم في المشهد السياسي والاعلامي وفي الفضاءات العامة ستراقب الهيئة ما يحدث وتلاحق من يتجاوز وفق تقديراتها.
هنا يبدو ان الهيئة ستستنجد بضوابط الحملة الانتخابية وما تفرضه من قيود على المترشيحن لتنزلها على السياق الراهن وعلى مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية، وهو ما يتضح من تمسك الهيئة بانها كلما طرح الشأن الانتخابي سيكون تحت رقابة الهيئة وسلطتها الترتيبية، بما يعنى مراقبة السياسون والمترشحين المحتملين ووسائل الاعلام والمنصات لفرض ما تعتبره الهيئة ضوابط قانونية هي اليوم محل جدل سياسي وقانوني ودستوري.
ما تعلنه الهيئة من انها ستكرر ما حدث في الانتخابات المحلية في دورتيها وما تلاه من فرض الهيئة لوصايتها على الشان السياسي والفضاء العام في علاقة بالانتخابات وتقييمها اثر الاعلان عن نتائج الدور الثاني، وذلك بشكل صريح ومباشر اعلان عن تحصين قانوني وسياسي تريد به الهيئة منع اي انتقاد لاعمالها واذا صدر نقد ستلاحقه قضائيا باسم ولايتها العامة التي تفسرها على انها تفويض كلي ومطلق للتحكم في المشهد الانتخابي في حين ان مفهوم الولاية العامة مقيد ومضبوط في اطر تتعلق بالصالح العام وباداء المهمة التي اوكلت لمن يمنحه القانون ولاية على ادارة شأن محدد، هنا تتعسف الهيئة في تطبيق هذه الصلاحية القانونية وتبحث عن تمطيطها لتشمل كل اوجه الفعل السياسي الانتخابي، والاصل ان يكون المجال العام اليوم مفتوحا للنقاش العام في ظل ضوابط قانونية بسيطة لا تلغى التنوع واختلاف الراي والتقييم الذي قد يبلغ درجة الحدة في النقد والذي يكون مقبولا طالما انه لا ينتهك ضوابط حرية التعبير.
المفروض اليوم ان تكون بعض قرارات الهيئة محل تقييم ونقاش في الفضاء العام بهدف البحث عن مدى ملاءمتها للنص الدستوري والضمانات الموضوعية لنزاهة العملية الانتخابية وحياد الهيئة في ادارتها للشأن الانتخابي، من ذلك طرح مضمون بلاغها الصادر يوم الثلاثاء الفارط والذي اعلنت فيه عن ان موعد يوم الاقتراع سيحدد بعد صدور الامر الرئاسي بدعوة الناخبين، و مدى احترام هذا الخيار للنص الدستوري وشروط النزاهة والحياد ومدى ملاءمته لما تعلنه الهيئة من مبدإ ان لها الولاية العامة والتامة على الشان الانتخابي بما في ذلك ضبط موعد الاقتراع.
ولا يكشف بلاغ الهيئة عن هذا فقط بل يشمل الاشارة الى تداول اعضاء مجلس مجلس الهيئة في اجتماعه يوم الثلاثاء حول مشروع تنقيح القرار الترتيبي عدد 18 لسنة 2014 المتعلق بقواعد واجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية بهدف ملاءمته مع الفصول 88 و 89 و 90 من الدستور وتعديل شرط السن والجنسية و التمتع بالحقوق المدنية والسياسية بما يفترض «ضرورة ادلاء المترشح بنظير من صحيفة السوابق العدلية (البطاقة عدد 3)، وذلك شرط جديد ينضاف الى شرط بلوغ المترشح سن الاربعين وان يكون حاملا للجنسية التونسية ابا عن جد.
هنا اي قراءة لهذه الشروط وطرحها للنقاش العام لن يكون ممكنا الا في حالة تثمين القرار او الاخبار عنه اما تقديم قراءة نقدية له وخاصة شرط البطاقة عدد 3 سيكون مشمولا بالملاحقة القضائية على معنى المرسوم 54 او القانون الانتخابي الذي استنجدت به الهيئة لملاحقة عدد من السياسين والصحفيين الذين انتقدوا عملها في الاستحقاق المحلي او التشريعي الفارطين اي ان اي نقد او قراءة سياسية لخيارات الهيئة او اعمالها او الاشارة من بعيد او قريب الى ان واجب الحياد قد يكون مخترق سيقود صاحبه الى الملاحقات القضائية وهذا بذاته كفيل بافراغ الفضاء العام من النقاش بشأن الانتخابات وضمانات نزاهتها واستيفائها للشروط الموضوعية التي تكفل حق النقد والمعارضة ولا تجرمهما كما هو الوضع اليوم