ترويجية للكتاب التونسي ولعلّ فرنسا هي خير مثال قريب منا يحتذى به، إذ نجحت فرنسا في بسط إستراتيجية ترويجية للكتاب الفرنسي من خلال «دمبلوماسيتها الناعمة» في هذا المجال هو ما جعل الكتاب يحتل الموقع الثاني من حيث الصادرات الفرنسية في مجال الممتلكات الثقافية، إذ تمثل الأسواق الأجنبية 25 ٪ من حجم أعمال دور النشر الفرنسية..
«النشر على عكس ما يعتقد البعض هي عمليّة معقّدة وصتاعة ثقيلة تتدخّل فيها أطراف عدّة، ابتداء من الكاتب، مرورا بالناشر والموزّع وصولا إلى القارئ. طبيعيّ إذن أن يتعطّل هذا «الميكانيزم» إذا تعطّل أحد مكوّناته أو كان لا يعمل جيّدا. في تونس ما زال القطاع تغلب عليه الهواية، يسيّره الإرتجال، ويتحكّم فيه الدخلاء. بل هو نشاط اختلط فيه الحابل بالنابل».. هكذا يعتبر الروائي نبيل قديش، ويضيف: «يكفي أننا لا زلنا إلى حدّ هذه الساعة نعوّم القضيّة ونجترّ إلى حدّ كتابة هذه السطور مصطلح “ أزمة الكتاب” الفضفاض، حتّى أننا تلهينا عن النشر كموضوع أساسي ، وصرنا ننشر غسيل النشر المتعفّن».
أزمة الكتاب: كساد السوق وغياب دعم الدولة وغياب استراتيجية للنهوض بالقطاع
ويتحدّث نبيل قديش عن أزمة الكتاب التونسي فيقول: «يعيش الكتاب التونسيّ أزمة ما في ذلك اختلاف. تختلف بشأنها الآراء والتحاليل. يتهرّب كلّ طرف من مسؤوليته ويتم التراشق بالتهم التهم. تتعاظم الأزمة، وتأخذ تفرّعات لا حصر لها. فهل هي أزمة إبداع وتأليف؟ أم أزمة نشر؟ أم أزمة توزيع؟ أم هي أزمة قارئ. تناول الموضوع على هذا النحو من تراشق التهم، وسعي كلّ طرف إلى التفصّي من مسؤوليته، وتحميلها للآخرين بغرض الظهور في صورة الضحيّة، إنّما تحرّكه الفئوية المهنية الضيّقة corporatisme. أوّلا هناك نرجسيّة الكاتب، الذي يرى في نفسه الإله، الذي يكتب المقدّس غير القابل للنقد، ويرى نفسه دائما ضحيّة جشع الناشر، وهي الذريعة التي اتكأ عليها العديد منهم للنشر على حسابهم الخاصّ.
أمّا الناشر فيبرّر بارتفاع تكلفة الكتاب، وغياب دعم الدولة، وكساد السوق، واختياره نصوصا دون أخرى. في غالب الأحيان يراهن على الكتاب المحترفون، والنصوص التجاريّة، ويقفل بابه في وجه الكتاب المبتدئين وإن فعل فهو يطلب منهم مبالغ مشطّة لقاء نشر مؤلّفاتهم».
التونسي أيضا لا يقرأ..
الشاعر الفلسطيني طلال حمد الذي نشر العديد من الدواوين في تونس يتحدّث عن سياسة ترويجية للكتاب التونسي قائلا لـ»المغرب»: بعد سيطرة التلفزة ومن ثم الإنترنيت تراجعت القراءة عند شعوبنا العربية بشكل كبير. تأثر الكتاب وتأثر النشر نتيجة لذلك. وفي بلداننا يعاني النشر ويشكو الناشرون من علاقة الدولة بالكتاب وبدعمه. كثير من الناشرين يحتاجون إلى دعم الدولة وتشجيع وزارة الإشراف على صناعة الكتاب. لكن هذا الدعم وهذا التشجيع لا يفي بالحاجة ولا بالغرض. كما يشكو الناشرون من عدم تنظيم هذا القطاع وتأطيره. ويبدو أن السنوات الخمس الأخيرة قد تركت آثارها على القطاع ويرى الكثيرون أنّ عدم الاستقرار العام وشح موارد الناشرين سيظل يساهم في تراجع حظ الكتاب والنشر في مواجهة نفوذ الانترنيت والتلفزة بشكل كبير. وربما يحتاج النشر إلى سياسة ترى في النشر صناعة وفي دعم الكتاب ضرورة يشترك في الاتفاق عليها الناشرون في اتحادهم والدولة ممثلة بوزارة الإشراف في حال الاهتمام الملموس للدولة بالثقافة والإبداع وتنزيلها منزلة تليق بها وتعتبرها مهمة أهمية الدفاع والأمن في ظل الظروف والتحديات القائمة والأخطار التي تتهدّد العقل والشباب والوطن».
• المثال الفرنسي:
دبلوماسية ناعمة تجعل حجم المبيعات ثلاثة مليارات يورو في السنة
ربما لا تصحّ المقارنة بين تونس وفي فرنسا في قطاع نشر الكتب، غير أنّ السياسة الجيدة هي خير مثال، ففي فرنسا مثلا ولحل العديد من معضلات قطاع النشر ولنشر الكتاب وترويجه دوليا وضعت فرنسا حسب موقع وزارة خارجيتها سياسة ترويجية محكمة، ساهمت في تعزيز الكتاب الفرنسي لا في هذا البلد فقط بل وفي العالم.. حيث أنّ حجم مبيعات الكتاب الفرنسي يقارب ثلاثة مليارات يورو في السنة. كما أنه....