في هذا الجزء الثاني جمّعت الباحثة بعض أراء الكتاب والنقاد لتتحسس وتحلل مقومات هذا النجاح، فالكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن الذي قدّم العديد من الأعمال التاريخية عن شخصيات وأحداث عدّة، من أشهرها «أم كلثوم»، و«بوّابة الحلواني» و«ليلة سقوط غرناطة»، يرى أنّ هناك فرقا بين المؤرّخ والكاتب، فالأديب لا يكتب سردا للتاريخ وأحداثه، لكنه يقف أمام التاريخ لينتقي منه حدثا أو شخصية يستشعر أنها تتناسب مع فكره، ويعتبر أنّ «الحادثة التاريخية هي التي تناديه وتبحث عنه».
ويعتبر محفوظ عبد الرحمن أنّ الكتابة نوعان: التاريخية، والدراما التاريخية. وتعتمد الثانية على اقتطاع جزء من التاريخ وبناء عمل درامي حوله، وتتوقف درجة تدخّل الكاتب في التاريخ وفقا للحدث أو الشخصية التي يتناولها الكاتب، على حدّ تعبير الباحثة، التي استشهدت بما كتبه محفوظ عبد الرحمان أنّ «هناك شخصيات تتوفر حولها الكثير من المعلومات المؤكدة، حول حياتها وحول الفترة الزمنية التي عاصرتها، بحيث تكون الشخصية مكتملة»، موضّحا أنه في هذه الحالة يكون التزام الكاتب بالتاريخ أكبر، والعكس عندما يتناول شخصية قليلة التفاصيل في كتب التاريخ، ومن هنا تتّسع مساحة تدخّل الكاتب لرسم الملامح المفقودة في الشخصية، بما يجعلها أقرب من الخيالية. وأشار محفوظ عبد الرحمن إلى أنّ الكاتب قد يختار موقفا أو فترة معيّنة من حياة الشخصية، كما فعل في فيلمه «ناصر 56»، الذي تناول فيه شخصية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر من خلال موقف محدّد هو تأميم قناة السويس، الذي اعتبره مفتاحاً مهمّاً في عناصر زعامة عبدالناصر».
واعتبرت الباحثة أنّ كاتب السيناريو السوري غسان زكريا، صاحب «الظاهر بيبرس» و«عنترة بن شداد» و«أبناء الرشيد: الأمين والمأمون»، يجد أنّ مهمّة الدراما ليست كتابة التاريخ أو توثيقه، ولكن تقديم قراءات جديدة له تتفق مع الواقع المعاصر وترتبط به، مع الالتزام بالحقائق التاريخية وعدم تجاهلها. وأضافت ثريا السنوسي: «في حين شدّد الكاتب المصري مرسي عطا الله على إزالة الخلط بين التصوير الدرامي والكتابة التاريخية، موضّحاً أنّ الدراما فنّ يسبح في الخيال كلّما كان ذلك مفيدا للعمل الفني، أمّا كتابة التاريخ فتتطلّب وثائق مؤكدة ووقائع محدّدة لا يجوز الخروج عنها» الكتابة هي الفن حرية، بينما الكتابة في التاريخ التزام، حيث إنّ رؤية مؤلّف العمل....