وقد استقبل مدرج قرطاج الحداثة بالمركب الجامعي بمنوبة الجلسات الافتتاحية الأولى لليوم الثالث والتي حملت عنوان «الظاهرة التوحيدية والفلسفة العربية والتاريخ» وأشرف على إداراتها الأستاذ الجامعي المنصف بن عبد الجليل.
و شارك في الورقات العلمية لهذه الندوة الدولية كل من الأستاذ عبد المجيد الشريف بمداخلة عن «تحولات الظاهرة التوحيدية في العصر الحديث» ومن فرنسا الأستاذة الجامعية أولغا لزيني بورقة «الفلسفة العربية تاريخها وما كتب منه».
واستعرض الأستاذ عبد المجيد الشريف التحولات العميقة للظاهرة الدينية في اليهودية والمسيحية والإسلام طيلة القرنين الماضيين وكيف قطعت هذه المتغيرات مع ما كان سائدا فيها منذ استقرارها، في مجالات العقائد والطقوس والممارسات الاجتماعية. وذكرت الورقة العلمية أن هذه التحولات أثّرت تأثيرا عميقا في سلوك الأفراد والجماعات على السواء، لكنها من «غير المفكّر فيه» في أغلب الأحيان، إذ يسود الشعور لدى المؤمنين بأنّهم في تواصل لم ينقطع مع ما كان عليه التديّن باستمرار كما أن هذه التحولات لم تكن في اتجاه واحد، بل اختلفت بحسب العوامل التاريخية والحضارية.
واستعان المحاضر بعدد من الأمثلة على غرار اليهودية، التي عرفت تحولا لافتا في الأدبيات الدينية منذ ظهور الإيديولوجيا الصهيونية وقيام الكيان الإسرائيلي في فلسطين، واندمج منذئذ الشعور الديني مع الشعور القومي في العلاقة بالأرض لدى اليهود الذين حلّوا مكان السكان الأصليين ولدى أعداد كبيرة من يهود الشتات أمّا المسيحية فشدد على ضرورة التمييز بين أصناف مختلفة من أتباع هذه الديانة من كاثوليك، وبروتستانيين بمختلف كنائسهم، وأورتودكس وذلك لفهم مدى انخراط كل صنف منهم في مقتضيات الحضارة الحديثة وقيمها.
وربط الأكاديمي عبد المجيد الشريف في مداخلته «تحولات الظاهرة التوحيدية في العصر الحديث» بين الإسلام وصدمة الحداثة، التي عرفتها المجتمعات الإسلامية وأدت لظهور حركات دينية متناقضة ويستخلص صاحب المداخلة من مجمل هذه التحوّلات أنّ الهوّة اتسعت مع مظاهر التديّن الموروثة في التقاليد التوحيدية الثلاثة، ولكنّ الأنظمة الدينية القديمة ما زالت تقاوم عوامل التغيير وتعمل على الحفاظ على مصداقيتها في ظروف غير مواتية، ويصعب التكهّن بمآلاتها على المدى القريب.
بدورها طرحت الأستاذة الجامعية الفرنسية أولغا لزيني عددا من التساؤلات حول «الفلسفة العربية تاريخها وما كتب منه» واسترجعت في ورقتها تاريخا موجزًا عن مسار المضامين، التي تدرس تحت اسم الفلسفة العربية أو الفلسفة الإسلامية مشيرة إلى آخر تطورات في هذا المبحث.
وفي محور «الأدب والأزمات» أدار الأكاديمي سمير مرزوقي ندوة فكرية سلطت الضوء على عدد من الكتابات منها القصائد الملحمية الفرنسية، التي تقدم من وجهات نظر مختلفة ضعف الملك (لويس الأوّل ابن شارلمان) أمام النفوذ المتنامي لحكام النظام الإقطاعي وفي هذا النطاق تصيغ النصوص الأدبية بطلا متميزا مكلفا بمهمة حماية مشروعية نظام الملك الوراثي فيما تكشف ورقة «خيال الأزمة في البحر لجول ميشلي» عن ملامح الثورات البشرية والطبيعية ولا يلبث الكاتب المتشبع بالنظريات التحولية والكوارثية الى أن يتطرق لمختلف الأزمات التي تطرأ على الطبيعة وعلى الإنسان على حد سواء.
وفي مداخلة «أزمة اجتماعية، أزمة أسرية في النمط القصصي الإجرامي في عصر النهضة « يتم تناول تيمة «الاجرام» في الأدب الفرنسي خلال الربع الأخير من القرن السادس عشر حيث كان لهذا الاهتمام صلة مباشرة بالسياق الاجتماعي والسياسي لتلك المرحلة التي شهدت فيها فرنسا تمزقا بسبب الحروب الأهلية بين البروتستانت والكاثوليك.
ومن البحوث اللافتة في اليوم الثالث من منتدى «انسانيات» ورقة عن «الفانتازيا والأزمة البيئيّة: «صراع العروش» كانعكاس لتهديد المناخ الحالي» وتتناول من خلال دراسة تهديد المناخ في المسلسل التلفازي المعاصر «صراع العروش» المستوحاة من السّلسلة الرّوائية «أغنية الجليد والنّار» للكاتب الأمريكي جورج ر. ر. مارتن، الفنتازيا كنوع أدبي يعالج الخيال وكركيزة الثّقافة الشّعبية فالقصة تدور في عالم ثانوي خيالي، تسمح برؤية الأزمة البيئيّة في القرن الواحد والعشرين كموضوع واقعي ومعقّد في الآن نفسه.
وشهد المنتدى الدولي «انسانيات» في يومه الثالث كذلك مداخلات ثرية وبحوث معمقة وورشات حول قضايا حارقة في راهننا منها «ظاهرة طفرة الإنتاج السردي في العالم العربي» وهي مائدة مستديرة بإدارة شكري المبخوت ممثلا عن جامعة الشيخ زايد (الامارات العربية المتحدة) ومشاركة عدد من الأقلام الأدبية من نخبة الجامعة التونسية وهم أميرة غنيم، هند الزيادي، سامي المقدّم، محمّد الحباشة، هاجر رابعي.
وفي المؤتمر العلمي لــ «انسانيات» حول دراسات الشرق الأوسط وافريقيا والمتوسط وهو مكون بحثي رئيسي يشمل أكثر من 120 ورشة في مختلف فروع علوم الانسان والمجتمع تم تناول مضامين تتعلق بـ «الأرشيف بين الجماليات والمُمارسات» وذلك تحت إشراف الأستاذة منيرة بن مصطفى والأستاذة رشيدة عقيل وكشفت هذه الورشة عن الأبحاث الجديدة في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط وحوض المتوسط في العلوم الإنسانية والفلسفة المطبقة على الفنون والتصميم.