وفي حضرة السينما! لا شيء يعلو على صوت الممثلين وهم يؤدون أدوارهم في محاولة لإقناع المخرج أولا ثم إرضاء المشاهد في مرحلة ما بعد العرض. ومن مشهد إلى مشهد، تكون الإعادة سيّدة الموقف في محاولة اقتناص التعبير المطلوب والتأثير المنشود... وهكذا هي الولادة الصعبة لكل فيلم في النهاية !
في «فيلا» على مشارف البحر في منطقة حمام الأنف من ولاية بن عروس، كانت الحديقة الغناء في المدخل وزقزقة العصافير الجميلة داخل أقفاصها المعلقة تشي بأجواء من الشاعرية والرومانسية ... وفي داخل هذا المنزل الفاخر كان المخرج نادر الرحموني يصوّر فيلما عن قصة حب جارفة وغير كلاسيكية.
نادر الرحموني من الهندسة إلى السينما
تسلّح نادر الرحموني بروح المغامرة وطاقة الحلم لولوج عالم الفن السابع من بابه الكبير وذلك من خلال المغامرة بإخراج أول فيلم روائي طويل في مسيرته دون المرور بمرحلة «التعلم» من خلال تصوير الفيلم القصير أو الفيلم الوثائقي أولا. واعتمادا على موارده الذاتية، قام نادر الرحموني وهو القادم من عالم الهندسة بالاستجابة إلى نداء رغبته الشديدة والملحة في إخراج فيلم «كاوو» . وفي ها السياق، قال في تصريح لـ «المغرب» :»في الحقيقة أنا لست غريبا عن عالم الفن، بل جئت إلى السينما عبر جسر المسرح الذي مارسته لسنوات في تونس في فضاء «التياترو» تحت إشراف الفنان القدير توفيق الجبالي ثم درست المسرح في الخارج في أنقلترا وأمريكا ... اليوم جئت إلى السينما لجوءا لأقول في فيلمي الطويل الأول ما عجزت عن التعبير عنه بلغات أخرى ولأبوح بكون من الأحاسيس والأفكار والمواقف... في سيرتي الذاتية لن تجدوا أني صاحب أفلام كثيرة صاحب تجارب عديدة في الحياة.»
ولئن نجح نادر الرحموني في مجال الهندسة بتفوق وهو الذي كان طالبا متميزا درس في الخارج بمنحة من الدولة، فإنه قد اختار في صناعة فيلمه الأول الاستناد إلى وجوه مبدعة في التمثيل والاستعانة بخيرة التقنيين في تونس، فهل جاء هذا الاختيار عن اقتناع بقدرة هذا الفريق الفني والتقني على العطاء أم بحثا عن
ضمانات لنجاح التجربة الأولى؟ أجاب المخرج نادر الرحموني «المغرب» بالقول:» فعلا يضم الفريق فريق التقني عديد الأسماء اللامعة في المجال على غرار مروى بن جميع وبشير المهبولي ومعز بالشيخ وصوفي عبد الكافي وألفة قريعة ... أما طاقم الممثلين فيضم ممثلين مبدعين على غرار ريم الرياحي ومهذب الرميلي ومحمد مراد وفارس عبد الدايم وسلمى المجوبي ... وذلك من إيجاد التوازن بين طرفي المعادلة في نجاح هذا الفيلم الذي هو في النهاية حلم مشروع !
وفي تكتم شديد على موضوع الفيلم ومضمونه، اكتفى نادر الرحموني بالقول:» هي قصة حب غير كلاسيكية لا تخلو من مساءلات فلسفية لتركيبة العائلة التونسية باعتباره مرآة للظواهر الاجتماعية التي نعيشها اليوم.
وكشف المخرج أن اسم الفيلم كان في البداية «ياسين» ثم استقر الرأي على «كاوو» وقد لا يكون هو العنوان النهائي الذي سيتضح بصفة نهائية بعد انتهاء التصوير.
*ريم الرياحي تعود بعد حنين وسنين إلى السينما
في إطلالة جذابة وابتسامة مشرقة، كانت ريم الرياحي تزين كواليس تصوير الفيلم وهي التي بدت سعيدة بعودتها إلى شاشة السينما بعد سنوات من البعد والفراق. وقد تلقفها المخرج نادر الرحموني من عز نجاحها في الموسم الدرامي في رمضان 2022 بحصولها على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في مسلسل «براءة». وعن سر الغياب عن عدسة الفن السابع ، صرحت ريم الرياحي بالقول:» على عكس الدراما لم أتلق عروضا سينمائية من المخرجين. ولما قرأت سيناريو فيلم نادر الرحموني وجدت نفسي في شخصية الأم المركبة والمتناقضة التي تجمع بين الحب واللاحب، بين العاطفة واللامبالاة... فوافقت لأني أعشق هذه الشخصيات التي تتطور مع الأحداث ولا تستهويني الأدوار النمطية والبسيطة.
وقد سبق لريم الرياحي الظهور في فيلم « «عرس القمر» للراحل الطيب الوحيشي و فيلمي «لمبارة « و»الساعة الأخيرة» لعلي العبيدي، واليوم تعود إلى السينما في دور الأم لابنها فارس عبد الدايم في براءة وابنها محمد مراد في «ناعورة الهواء»... وكلها أمل في حصد إعجاب جمهور الفن السابع بعد أن حازت على إشادة جمهور الدراما.
وفي توزيع الأدوار النسائية للفيلم، تلعب سلمى المحجوبي دور الطالبة «ليلى» التي تنشر البهجة والفرح حولها... هل ستغير قصة الحب التي تعيشها من شخصيتها ونظرتها إلى الحياة؟
مهذب الرميلي من نجاح الدراما إلى شاشة السينما
بعد صولات وجولات على خشبة المسرح وتجارب متنوعة في أفلام سينمائية تونسية ونجاحات مشرفة في الدراما التلفزية، آخرها التميز في أداء دور «صاروخ» في مسلسل «حرقة»، يسجل الفنان مهذب الرميلي حضوره في الفيلم الأول لنادر الرحموني. وهو الذي أكد أن التعامل مع مخرج جديد لا يخيفه سيما إن كان حاملا لمشروع فكري ورؤية فنية محترمة. وأشاد مهذب الرميلي في تصريحه إلى «المغرب» بظروف التصوير المريحة سيما وأنّ المخرج يترك للممثل مجالا للحوار ومساحة للارتجال والإضافة في تكامل بين التصورات والأهداف.
ووصف قصة الفيلم بأنها من نوع السهل الممتنع الذي يقترن بطرافة في الطرح وبفلسفة في المعالجة الدرامية، فعوضا عن دراسة الظواهر الاجتماعية يتطرق الفيلم إلى البحث في منبع هذه الظواهر وتفكيك أصولها وأسبابها البعيدة في سياقاتها السياسية والإجتماعية والثقافية...
في دور العاشق يؤدي محمد مراد شخصية «ياسين» التي قال عنها : عثرت في هذه الشخصية على الجديد الذي لا يشبهني في الحياة، والمثير الذي يختلف عن أدواري السابقة. فوافقت على أداء الدور بكل اقتناع ورغبة في تقديم الأفضل. في هذا الفيلم ألعب دور طالب في كلية الطب يعيش قصة حب مع «ليلى» لا تمر بسلام بل تثير الزوابع والعواصف وتقلب الدنيا رأسا على عقب...».
في ظهور أول على شاشة السينما، أعرب فارس عبد الدايم عن سعادته بالالتحاق بهذا العالم الذي طالما أغراه خاصة وأن سيناريو الفيلم قد شد ّانتباهه، قائلا: من النقيض إلى النقيض سأكون شابا مختلف عن «أنيس» في مسلسل براءة . وأتوقع أن يحقق هذا الفيلم صدى كبيرا لأنه يدفعنا إلى إعادة اكتشاف أنفسنا من الداخل والتعرف على ذواتنا على حقيقتها...».
ومن المنتظر أن يكون فيلم «كاوو» (في عنوانه المبدئي )جاهزا للعرض في نهاية سنة 2022 . فهل سينجح نادر الرحموني بفكر المهندس وعيون المخرج في مغامرة إنتاج أول فيلم روائي طويل دون دعم أو تمويل وبالاعتماد على حلم قديم وكبير في نقل أحداث من الحياة عبر شاشة السينما؟