شتى الفنون عري الجسد في أطر جمالية ودرامية وثقافية... إلا أنّ العري في الفن لازال يثير الجدل والالتباس في علاقة بالدين والأخلاق والجنس.. وكثيرا ما تستل سيوف الانتقاد من أغمادها في توعد ووعيد بمجرد الحديث عن عمل فني فيه عري في محاكمة مسبقة ومجانية.
تناضل مراكز الفنون الدرامية والركحية سيما حديثة التأسيس من أجل تكريس حق جهاتها في الثقافة والفنون والمسرح في تحدّ للمركزية وتواضع الإمكانات. وقد أسس مركز جندوبة المهرجان الدولي للمسرح المحترف 4/4 حتى يكون رجع صدى لإبداعات الجهة وحاضنا لفنانيها وجاذبا للضيوف من تونس وخارجها.
جدل عقيم بسبب ممثل لبس تبّانا
في سنة 2018، قامت الدنيا ولم تقعد لأن ممثلا سوريا تعرّى بالكامل في في مسرحية «يا كبير» على ركح أيام قرطاج المسرحية. حينها دافع الممثل السوري «حسين مرعي» عن خياره الواعي في الظهور عاريا على ركح المهرجان بقوله بأن الجسد مجرّد تفصيل صغير أمام قوّة الرسالة الفنية التي مفادها بأننا كلّنا عراة أمام الديكتاتورية وقبح الإنسانية وسوريا تعيش أحلك فتراتها وأزماتها... واليوم يتجدد الجدل بسبب ممثل ظهر في لباس داخلي على ركح المهرجان الدولي للمسرح المحترف 4/4 بجندوبة في تجاهل لبقية فقرات المهرجان من ندوات وتربصات ومسرحيات... وفي سرعة البرق تم تداول الصور التي تم التقاطها - عن قصد أو عن غير قصد- من زاوية معينة لتتهاطل التعاليق من كل حدب وصوب وكأن جسد الممثل قنبلة موقوتة ستفسد في الحال الذوق العام وستتسبب في انحلال المجتمع وإفساد أخلاق الأطفال والشباب!
إن الناظر من بعيد لمجرد صور دون أن يحضر العرض لا يمكنه الحكم على المشهد المثير للجدل بالإدانة أو المساندة إلا بعد مشاهدة المسرحية. والغريب أنّ فنانين ومسرحيين بدورهم انساقوا وراء هذه الحملة وهم أكثر الناس دراية بأنّ جسد الممثل ليس هو جسد الشخص الذي يمثل. وكلما ارتقى الطرح الجمالي والفني للجسد العاري بعيدا عن المنطق الاستهلاكي والعرض المجاني، كلما تمعن الجمهور في الجوهر وزهد عن الظاهر سواء كان بلباس أو بغير لباس. أليس المسرح هو فن التعري بامتياز، وهو الفن الذي يعرّينا أمام عورات نفوسنا وأفكارنا وأرواحنا...؟
مدير المهرجان يحتكم
إلى القضاء
أمام لبس التأويلات وقذف الاتهامات في وجه المهرجان الدولي للمسرح المحترف 4/4 بجندوبة بسبب ممثل ظهر في لباس داخلي في أحد عروض المهرجان، خرج مدير مركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة الأزهر الفرحاني لإيضاح ما يجب إيضاحه، قائلا :» كم أنا سعيد بالصدى الذي حظيت به مدينة جندوبة وأهلها ومثقفيها في خطاب الفنانين التونسيين والعرب وغيرهم من البلدان الصديقة والشقيقة. وكم أنا سعيد أن يذكر اسم المهرجان والمدينة على ألسنة المسرحين والمثقفين في العالم. لقد تجاوز عدد العروض التي قدمت في مدينة جندوبة وامتداداتها 35 عرضا من أهم ما أنجز في الفترة الأخيرة من الأعمال المسرحية في تونس إضافة إلى نماذج من أعماله مسرحية وفنية من إيطاليا ، فرنسا ، إيران ، العراق، مصر و الأردن، إلى جانب حضور عدد من نساء المسرح ورجاله من تونس شأن نور الدين الورغي الذي سعدنا بتكريمه ومحمد المديوني وعلي الخميري وعاطف بن حسين وخالد بوزيد ومحمد مسعود ادريس ومحمد الكشو والفنانات جليلة بكار وناجية الورغي ودليلة المفتاحي وغيرهم من المسرحيين والفنانين الذين اندرجوا في هذا الاحتفال والتقوا بفناني الجهة وشبابه وانفتحوا على تساؤلات الشبان من جندوبة ومن عدد من المدن التونسية سواء من خلال الندوات الفكرية والورشـــات الفنية أواللقاءات العفوية.
مــن هـــــذا الزخـــم الفنــــي والثقافــــي، سلطت الأضــواء بصورة تشويهية على عرض من عروض السيرك وهو عرض فرنسي مدته 20 دق. وكان من المفروض أن يكون هذا العرض في الشارع ونظرا لأسباب مناخية تم عرضه في بهو المركب الثقافي وهو ما يعني أنه موّجه إلى جميع الفئات العمرية . إلا أن البعض ادّعى أنه عرض «مناف للأخلاق» استنادا إلى كون فنان السيرك الذي قدّم العرض كان يلبس تبانا قصيرا وبنيت على ذلك ادعاءات مغرضة ،وكأنّ هؤلاء لم يذهبوا إلى شواطئ البحر يوما ولا شهدوا مباراة كرة الطائرة الشاطئية للنساء والرجال ! ».
ولئن وصف مدير المهرجان الدولي للمسرح المحترف 4/4 بجندوبة الأزهر الفرحاني أصحاب هذه الانطباعات بـ»الغباء» فإنه أضاف مؤكدا : « إنّ الغباء لا يعفي صاحبه من تحمل مسؤولياته أمام القضاء. وسنرفع قضية ضد من ادعى هذا الادعاء وروج له، فلا يمكن أن نسمح بمثل هذه التجاوزات التي لا تمسنا، شخصيا، فحسب ولا تمس مركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة فقط وإنما تمس من المؤسسة الثقافية التونسية الشامخة وكل التونسيين. ولأنّ العاطلون وحدهم والمعادون للفعل يعيشون مكتفين بالفراغ سعداء به... فكلنا آذان صاغية لكل نقد بناء».