في التجربة البحثية اثناء التحضير لأطروحة الدكتوراه، هكذا اجمع الدكاترة الباحثون في الندوة التخصصية المعنونة بـ«البحث المعمق في الفنون التشكيلية».
نظم الندوة الجمعية المتوسطية للفنون التشكيلية المعاصرة بالمنستير» بمشاركة الدكاترة والباحثين الحبيب بيدة وفاتح بن عامر وخالد عبيدة واشرف على ادارة الندوة الدكتور والفنان التشكيلي سامي بشير وكانت الندوة موجهة اساسا لطلبة الدكتوراه في مدارس الفنون الجميلة وقد تناولت مواضيع تقنيات المقال العلمي والاكاديمي وتحديد منهجية المعالجة بالنسبة للبحث النظري والبحث الممارساتي ومعالجة المفاهيم والمصطلحات في علاقة بالفنون التشكيلية والمحور الاخير تعريف البحث المعمق في ميدان الفنون التشكيلية.
الدكتور الحبيب بيدة:
الفن تشكيلي ممارسة تحتاج دراسة علمية
رسام وكاتب وباحث، أول من تحصل على شهادة الدكتوراه في اختصاص الفنون التشكيلية، وهو فنان تشكيلي له طريقته الخاصة في تناول اللوحة، الدكتور الحبيب بيدة المختص في الفنون التشكيلية، الكاتب والناقد كان أول المتدخلين في الندوة العلمية وقدم الكثير من المعطيات حول كتابة المقال العلمي وكتابة اطروحة الدكتوراه.
اكد بيدة انه لا فرق بين الفن التشكيلي والتصميم واشار الى لذة العمل والصدق في انجازه وذلك اول سلاح لانجاز مقال علمي في اختصاص الفنون التشكيلية منوّها الى وحدة الفنانين في السابق وتمازج مختلف الفنون، مؤكدا ان عدد المعاهد والكليات التي ندرس الفنون محترم جدا، عدد لا يوجد حتى في باريس.
وأضاف الناقد والباحث في مداخلته «يختلف البحث في الفنون التشكيلية عنه في المجالات الأدبية والعلمية والفكرية الأخرى من حيث طبيعته ومادته ومنهجه وهدفه، لكنه يشترك مع هذا البحث في كونه سير ذهني منظم هو الآخر ويمتاز منهجه بالتماسك والتوازن تمتاز أهدافه بكونها انتاجات معارف تضاف الى المعارف السابقة في اطار بيداغوجي يتركب من فاعلين: الفاعل المنتج والفاعل القارئ.
ويتعلق البحث في الفن الابداعي شعريا كان او تشكيليا او سينمائيا بانتاج عمل فني ولكن هذا العمل لا يقتصر على الفعل فقط «الفعل اللاواعي» والذي يفرز انطلاقا من محاكاة أو من أفكار مشتتة يجمع بينها لإحداث تماسك يؤدي الى فرجة ما او متعة حسية ما، كما انه ليس بالفعل الحدسي الذي يعتمد الإلهام، بل هو عمل يستوجب نظرة أخرى للعمل الفني، يستوجب مشروعا يبيّن فيه الفاعل انه اقدر الناس على فهم فعله انطلاقا من البدايات اي من الأفكار الجنينية وصولا إلى النتيجة النهائية.
يضيف بيدة هذا العمل البحثي يمكن أن يسمى انشائية ذاتية وهو الذي يمكن من فهم اليات العملية الابداعية والمناطق التي لا يظهرها العمل الحسي هي القراءة الحميمية للعمل مختلفة تماما عن قراءة الناقد المعزول عن الورشة الفعلية مقدما أربع مراحل ضرورية لكتابة المقال العلمي:
اولا: ضرورة تحكم الباحث في التقنيات، لان التقنية في العمل الابداعي ليست ثانوية بل هي التي تحمل الفكرة وهي التي تفصح عنها وتجعلها قادرة على التموقع في البصر وفي الذهني.
ثانيا جانب البعد النظري والفكري: هو الجانب الثقافي الخصوصي والذي بدونه لا يكون الباحث قادرا على اختراق الأفكار القديمة بأفكاره إذا اعتبرنا ان الغاية من البحث هي انتاجي وابتكار وتجديد.
ثالثا الجانب المنهجي: والمقصود به التحكم في المسار الابداعي ورؤية الأفكار في تناظمها حسب نسق معين يساهم الى حد بعيد في توليد الافكار.
رابعا الجانب البيداغوجي وهو المتعلق أساسا بتقديم العمل الفني مع ما يتطلبه من حنكة في تأليف الأفكار واستخلاص اهم نقاط قوتها واعادة صياغتها بطريقة تجعلها في مقام «النظرية» وتتجاوز «الفرضية» ومن خلال هذا التقديم يستخلص فنّ الإقناع بها على أساس أنها شرارة لتأسيس قيمة جمالية ذات معايير واضحة وتصبح هذه المعايير أساس من أسسا الحكم على الإبداع.
وختم الحبيب بيدة مداخلته بالحديث عن ضرورة البحث الاكاديمي في الفنون التشكيلية، فهذا الفن هو ممارسة عملية في حاجة الى منهج علمي لمعرفة كل اسراره.
الدكتور خالد عبيدة:
في تماهي الذات الباحثة مع موضوع البحث
هل يمكن ان يصبح البحث العلمي ممارسة ابداعية عبر التحكم في الاقتصاد المعرفي للغيرية؟ بهذا السؤل ينطلق الباحث في مداخلته مشيرا أن إشكاليات طرح الأثر الفني موضوعا للبحث العلمي في خصوصيته الانفلاتية تجعله يختلف عن غيره من الموضوعات الاكاديمية، ويجعل هذا السبب الباحثين يتناوبون القراءات باعتماد مناهج تاويلية متعددة نذكر منها البنيوية والتفكيكية والانشائية والجمالية.
وتشكل هذه المناهج الوسيط بين الباحث وموضوع بحثه وهذا الوسيط هو الذي سيقلص المسافة بينهما وقد اشار الفيلسوف موريس مورلونوتي في كتابه «العين والعقل» اشارة خاطفة الى هذه المسافات الفاصلة بينهما معتبرا ان العلم لا يسكن الاشياء التي يبحث فيها واذا صار الى غير ذلك فانه يصبح فلسفة.
فما بالك لو توحّد الباحث مع موضوع بحثه وانقلبت الذات الباحثة موضوعا لبحثها ملغية الفواصل بينهما، وتصعب هنا التفرقة بين العلمي والفلسفي وتتداخل افكار الباحث بين الذات والموضوع الذي لم نعد نتعامل معه ذهنيا بقدر ما صرنا نوظف المفاهيم التي تحوم حوله اجرائيا، اذن هنا تتقاطع الفلسفة مع العديد من المجالات الاخرى لتغذية العملية الابداعية وهذا ما نطلق عليه «الفكر التشكيلي» الذي يوحد بين الذهني والاجرائي.
ويضيف عبيدة «لا اعتقد بالمرة بان صرامة المنهج البحثي الاكاديمي قادرة على ان تغير قسريا الفكر التشكيلي للباحث الى فكر تحليلي محض يتبناه مؤرخ الفنّ او فكر فلسفي بحت ينتجه الباحث في الجماليات.
وتفترض تجربة البحث العلمي في اختصاص الفنون التشكيلية تقنية كتابية مخصوصة يركّب عبرها الباحث النصوص المتفرقة التي كان قد صاغها في سياقات مكانية وزمانية مختلفة، منها ما ينبثق عن تسجيلاته الكتابية لحظة الانشاء او بعدها واعتبر هذه التقنية الكتابية مطية الفكر التشكيلي تميزه عن غيره من المجالات عبر وقوفه بين ضفتي الرسم بالكلمات والمفاهيم والرسم بالخطوط والاشكال.
في البحث في الفنون التشكيلية لا وجود لمفاهيم قبلية تسبق التجربة التشكيلية لانه يخضع لمنهج توليدي للمفاهيم من داخل التشكيل ذاته.
كما يخلص عبيدة الى وجود ممارستين في اطار الاعداد لبحث معمق هما: ممارسة بحثية وممارسة تشكيلية اذ لا يمكن لاطروحة دكتوراه في الفنون التشكيلية ان تكون نصا انشائيا او جماليا نصوغه حول معايشة فنية ذاتية انها بالاحرى رسم من الداخل في كل ما يتعلق بمجريات المسار التشكيلي الذي ارساه الفنان/الباحث في انتقاله من تجربة الى اخرى، ورسم من الخارج في كل التقاطعات الواردة بين خصوصيات التجربة الذاتية وتجارب الاخر ومقولاته سواء كان منظّرا او فنانا.
ويشير الباحث خالد عبيدة إلى ان «النص البحثي يتشكل عبر التوليف بين العديد من السندات النصية الخاضعة لزمانيات متباينة يمكنها ان تتداخل مع بعضها كما يمكنها ان تتباعد واخر مرحلة هي التحليل، ويختم مداخلته بالقول «يمكنني ان اطلق اسم اقتصاد الغيرية على هذا النوع من الاقتصاد المعرفي المتدخل مباشرة في بلورة اطروحة الدكتوراه في الفن التشكيلي».
الممارسة التشكيلية بين البحث والكتابة كانت محور الندوة التخصصية لتقديم منهجيات واضحة للاساتذة والباحثين لانجاز اطروحة الدكتوراه، وفي مداخلته الختامية قدم الدكتور فاتح بن عامر تفاصيل كثيرة للتفريق بين المقال العلمي والاكاديمي والصحفي والنقدي مؤكدا ان الكتابة فنّ يحتاج إلى الكثير من المعرفة.
محمود قفصية رئيس الجمعية المتوسطية للفن التشكيلي المعاصر:
الجمعية ثقافية ونشاطها معرفي علمي وتوثيقي
اشار الاستاذ الجامعي والفنان التشكيلي محمود قفصية في تصريحه لـ«المغرب» انّ الجمعية المنظمة للندوة الفكرية عمرها عشرة أعوام وهدفها الأول التعامل مع الاكادميين، أساتذة وطلبة، فالطالب ليصبح استاذ تعليم عالي يتطلب الكثير من سنوات الدراسة، في الدورة الاولى واجهنا الكثير من الصعوبات، اولها رفض الدكاترة الجلوس مع الطلبة في اطار علمي واحد، لذلك توجهنا الى العمل مع الطلبة الى حين عبّر الاساتذة عن الرغبة في المشاركة وتقديم المحاضرات التشاركية في الندوات
ويضيف قفصية المواضيع المختارة تهم الطلبة وتهم الكتب الفنية والعلمية، والطلبة هم الذين يختارون المواضيع التي يرغبون في مزيد معرفة تفاصيلها، لكل موضوع الكثير من المخرجات لذلك نحاول تقديم العديد من المداخلات ليستفيد منها الطلبة الباحثين:
ويضيف محدثنا نعمل على التوثيق كل ندوة نطبع كتاب، في كل كتاب سبع عشرة مداخلة وتوجد الكتب في معاهد الفنون الجميلة وكليات الاداب لانهم الاكثر اهتماما بالبحث في الفنون الجميلة، نريد التوثيق لانه دفاع عن الذاكرة والهوية التشكيلية.
الجمعية منفتحة على جميع الاساتذة والطلبة حسب الموضوع، المداخلات ليست حكرا على مجموعة محددة، ونحاول الانفتاح على كل معاهد الفنون الجميلة الموجودة في الجمهورية، العمل الفني والاكاديمي اصبح ضرورة لذلك في الجمعية نعتبر الاختصاص جد مهم «لا يمكن بناء البلاد دون اكاديميين» البناء الفكري والعلمي ينجزه الاكاديميين وطلبة اليوم هم اكادميي الغد لذلك نحرص أن نوفر لهم المادة الفكرية والعلمية والى اليوم لازال الطلبة والاساتذة يعودون الى الكتب التي وثقت للندوات للاستفادة منها في البحوث «الكتاب ما يموتش».
كما تعمل الجمعية على انجاز ورشات في الرسم للأطفال ونختار المدارس الموجودة في الاحياء الشعبية المحرومة أبناؤها من الفضاءات الثقافية وعادة ما نوفر الفرصة لـ100طفل ليشاركوا في الورشة وتقدم اعمالهم في معرض لتشريكهم في الفعل الابداعي.
للفنانين المحترفين ايضا معرض تشكيلي حسب «المحور» او نختار شخصية تونسية وننجز «كاتالوغ» ونعتبر أننا نقوم بأنفسنا نقوم بدور كبير في التوثيق، التوثيق ضروري جدّا للحفاظ على الهوية التشكيلية في تونس.
ندوة اليوم تهم التخصصي في البحث المعمق في الفنون التشكيلية، ولدت من معرفتهم بالصعوبات التي يواجهها الطالب مع بعض الاساتذة، ينكب على العمل لأشهر ثم يضطر لتغيير المنهجية، لذلك استضفنا افضل الاساتذة والباحثين ليتحدثوا امام الطلبة عن منهجية كتابة المقال العلمي، نريد ان نساند الطالب في الدكتوراه تشجيعا للبحث العلمي.
بعد الندوة سيكون هناك معرض تشكيلي اكاديمي في شهر ماي ثم معرض للاطفال، وفي نوفمبر سيكون الموعد مع الندوة الفكرية الثانية «الذكاء الاصطناعي والاخر» وهناك العديد من المقترحات لانجازها مع المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس واتحاد الفنانين التشكيليين والجمعية المتوسطية للفن المعاصر فجميعهم مهتمون بمحور الذكاء الاصطناعي.
والجمعية ثقافية بحتة، المدعم الأول لها وزارة الشؤون الثقافية، توجهنا ثقافي اكاديمي، نريد الدفاع على الفن التشكيلي والجانب الأكاديمي، أملنا في الطلبة والاكادميين، وهدف الجمعية علمي وفني وغير ربحي.
ويختم الفنان محمود قفصية تصريحة بالقول «الشباب عماد المستقبل والجمعية منفتحة على كل الشرائح، دفع الشباب هو واجبنا، لانهم سيتولون الوظائف والمسؤوليات في الاعوام المقبلة، حين يجدون الدعم اليوم في الغد سيكونون ليّنين ويوفرون الفرصة للاخر لينجح» ونحن ندفع بالطلبة والباحثين للنجاح.