إرث كل التونسيين وثروتهم المشتركة. على مرّ التاريخ، تعرّض التراث الأثري التونسي في عديد المرات إلى السطو سواء عبر عمليات التنقيب غير القانوني أو عن طريق سرقة المواقع والمتاحف بتخطيط من عصابات التراث ومافيا الآثار الناشطة عبر القارات.
لا تزال مواقع أثرية في تونس على غرار دقة تحتفظ بالكثير من كنوزها ومعالمها... وفي الوقت الذي تسير فيه الحفريات بنسق بطئ بسبب الإمكانات المحدودة تنشط العصابات في التنقيب عن الآثار والمتاجرة بتاريخ قرطاج.
من الحضارة البونية إلى التاريخ المعاصر
قد يشعر الزائر للمتاحف بأنه يمسك بالتاريخ بين يديه، وكأنه يعيش في زمن الأسلاف والحضارات الغابرة وهو يتمثل نمط حياتهم وأسلوب عيشهم بفضل قطع أثرية خالدة وشواهد حية عن سالف العصر والأوان ! ولولا المتاحف لما كان هذا التوثيق لإرث الشعوب وتراث الحضارات. وخارج عناوين المتاحف التونسية المعهودة، يهدي المعهد الوطني للتراث فرصة ثمينة لعشاق التاريخ والحضارة والمولعين باقتفاء أثر الثقافات وآثارها وذلك بعرض حوالي 30 قطعة أثرية بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي من 11 فيفري الجاري إلى غاية 06 مارس 2022.
وينتظم هذا المعرض المهم وغير المسبوق تحت عنوان «تراثنا ثروة لا تقدر بثمن» تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبالتعاون بين المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية وودادية أعوان وموظّفي المعهد الوطني للتراث ومسرح الأوبرا.
وعن مكونات هذا المعرض الأثري وأهدافه، أفاد المستشار المحافظ بالمعهد الوطني للتراث والمشرف على قسم المحجوزات ياسر جراد في تصريح لـ»المغرب» بما يلي:» قبل حلوله بمدينة الثقافة سبق وأن حط معرض «تراثنا ثروة لا تقدر بثمن» الرحال بالمتحف الأثري بقرطاج في انتظار جولة متنقلة عبر ولايات الجمهورية قصد توعية المواطنين بأهمية تراثهم وضرورة المحافظة عليه باعتبارهم شركاء فعليين في صون إرثهم الوطني. ويتضمن المعرض حوالي 370 قطعة محجوزة و مستلمة تم اختيارها من جملة 40.000 قطعة تم حجزها بفضل جهود الأمن والديوانة أو سلّمها بعض الأشخاص الوطنيين والغيورين على تاريخ بلادهم إلى مصالح معهد التراث. وتعود هذه القطع الثمينة إلى حقب تاريخية مختلفة تمتد من الفترة البونية حتى التاريخ المعاصر. وقد تم تقسيم هذه القطع إلى 4 محاور تجسّد الحياة اليومية والتحف الفنية والمنحوتات والعناصر المعمارية والزّخرفية والمعتقدات والأديان. وسيكون عرض هذه القطع مصحوبا بلوحات إرشادية وكذلك بقوانين الردع والمخالفات حتى يعي الجميع أن امتلاك الآثار أو الاتجار بها جريمة يعاقب عليها القانون وخيانة لتاريخ الوطن وذاكرته وهويته...»
المواطنون أفضل حراس للذاكرة والتاريخ
من أجل ضرب لصوص الآثار بيد من حديد والحد من الاتجار بالتراث الوطني ، يدعو البعض إلى تحيين مجلة مجلّة التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية الصادرة سنة 1994 ويطالب البعض بتكثيف الحراسة على المواقع والمتاحف والمعالم ... وفي هذا السياق يعتبر المحافظ المستشار بالمعهد الوطني للتراث ياسر جراد أن مجلة التراث تحتاج في بعض مواضعها إلى تنقيح وتحيين ولكن يبقى الإشكال الأهم في الافتقار إل آليات تنفيذ وردع. كما يقرّ بأن عديد المواقع الأثرية تشكو من غياب الحراسة لكنه في المقابل يؤكد بأن حماية التراث الوطني هي أولا وأخيرا مسألة وعي وتعاون من المواطنين الذين يمثلون أفضل حراس للذاكرة والتاريخ.
وردا عن سؤال «المغرب» حول مدى تقدم أو تراجع معدل الاتجار بالآثار ما قبل الثورة وما بعدها، أكد المشرف عل قسم المحجوزات بالمعهد الوطني للتراث أن تجار التراث لا يزالون يتربصون بالثروة الوطنية مع اختلاف «التكتيك» أو الطريقة ولكن يقظة أعوان الأمن في القبض عليهم وتفكيك شبكاتهم أصبحت أنجع وأسرع وأكثر مردودية.
وفي عودة إل تاريخ الاتجار بالتراث في تونس، يقول رجل السياسة والإعلام عبد الحفيظ الهرقام في مقال له بمجلة «ليدرز» ما يلي :»برزت سرقة الآثار كجريمة منظّمة في تونس في تسعينات القرن الماضي، وتمّ في سنة 1996 تفكيك أوّل شبكة، على إثرها أحدثت مصلحة المحافظة على الآثار والتحف صلب إدارة الشرطة العدلية. كوّن المدعو ق.ق هذه الشبكة بداية من سنة 1993 وتخصّصت في السرقة من المتاحف والمواقع الأثرية لتبيع القطع المستولى عليها في الخارج. في سنة 1998 سُرقت قطعة أثرية من متحف صفاقس استرجعت في سنة 2000 من بريطانيا، وفي سنة 2002 أمكن استعادة قطعة أخرى كانت سُرقت من متحف أوذنة في سنة 2000، ولم يكن التاجر الألماني الذي اقتناها يعلم أنّها كانت مسروقة. بعد أن قضّى ق.ق فترة في السجن عادت الشبكة نفسها إلى الظهور في بداية سنة 2000 بتكتيك مغاير بعد أن استخلصت العبر ممّا جرى في السابق، فربطت علاقات بأشخاص يعملون في مواقع أثرية غير محروسة وقامت بعمليات تنقيب غير شرعية، وكانت هذه الشبكة تحظى بحماية عدد من أصهار بن علي.
تـــمّ في سنـة 2009 تفكيــك الشبكـــة من جـديـد، وانطلقـــت الأبحاث مـــن القاعدة إلى أن وصلت إلى ق.ق وإلى شخـص آخــر ذهب إلى الخـــارج. وبعـــد 14 جــانفي 2011، عُثر على قطـــــع أثــــرية نفيســـة في بيوت عـــدد من أصهار بن علي من بينهم صخر الماطري وبلحسن الطرابلسي، وقد فُتحت بشأن هذه القطع قضايا عدليّة».
و إن غاب «الطرابلسية» عن المشهد ، فلا شك أن «نافذون» جدد يتواطئون مع المافيا الدولية على تهريب تراثنا وبيع ذاكرتنا بأبخس الأثمان !
ليلى بورقعة
في معرض مفتوح بمدينة الثقافة: أكثر من 370 قطعة أثرية نجت من شبكات التهريب
- بقلم ليلى بورقعة
- 10:56 09/02/2022
- 996 عدد المشاهدات
هي ذاكرة وطن تُنهب في غياهب الظلام وحتى تحت ضوء النهار في غفلة عن عين الرقيب بحثا عن المنفعة الذاتية والمادية على حساب