عن حقوق النساء والإنسان بروح مثقلة بالثورة والغضب. كل طاغية في نظرها صنم ودمية من الخشب لا بد أن يُرمى بحجارة الحرية حتى تسقط الديكتاتورية. وتقديرا لنضالها من أجل المساواة وصون كرامة الإنسان في تونس والعالم، فازت يسرى فراوس بجائزة آن كلاين لعام 2022 لتكون أول امرأة عربية تحظى بهذا التقدير الدولي.
تمشي يسرى فراوس بخطى واثقة، رافعة رأسها في ثقة وكبرياء صوب عينيها هدف أو أمل أو حلم... فيضئ بين مقلتيها بريق جذاب وآسر يضفي على شخصيتها سحرا وغموضا. هي شخصية تنبض حيوية وحياة وحين ترفع يديها ذات خطاب أو حديث تبدو وكأنها تحتضن شمسا وتستدعي قمرا لتنير عتمة المرأة المضطهدة وظلمة الإنسان المسلوب الحقوق.
طفولة ثائرة و»صدمة نسوية»
في منطقة «الجديدة» من ولاية منوبة ولدت يسرى فراوس في عائلة محافظة توارثت تقاليد الهيمنة الذكورية أبا عن جد. لكن الطفلة الصغيرة حملت الفكر النقدي والثائر بالفطرة وسكن التمرد روحها بصفة تلقائية، بلا تلقين أو وراثة. إلى اليوم لا تزال يسرى فراوس تذكر نقاشا بين زملاء الصف في المعهد حيث هبّت مدافعة عن حق المرأة في العمل شأنها شأن الرجل في وجه من يحصر دورها في القيام بشؤون المنزل فحسب.
في عمر الشباب، حدثت «الرّجة « في حياة يسرى فراوس التي نحتت مسار حياتها وفتحت عيونها وتفكيرها على عالم مغاير لما تعيشه في محيطها التقليدي. تقول يسرى فراوس أنها عاشت أول «صدمة نسوية» عندما دعتها أستاذتها بالمعهد فتحية السعيدي في تسعينيات القرن الماضي إلى حضور نقاش في «بيت الشعر» حول صورة المرأة في مسلسل «الخطاب على الباب». وهناك ، انبهرت بالنساء الديمقراطيات وهن تدافعن عن حقوق المرأة وتنتقدن صراحة نظام بن علي في تسويقه صورة مغالطة لواقع المرأة سيما في الأرياف و»مناطق الظل» . إثر هذا اللقاء عادت الفتاة الطموحة إلى بيتها وهي مندهشة بما رأت وسمعت، لتروي على مسامع أمها حكاية نساء لم تسمع عنهن من قبل! وبكل ود أجابت الأم :» أريدك أن تصبحي مثلهن.» وبقي حلم الانضمام إلى جمعية نساء ديمقراطيات ملازما ليسرى فراوس وبمجرد حصولها على شهادة البكالوريا التحقت بركب رفيقاتها المناضلات.
تصف يسرى فراوس جمعية نساء ديمقراطيات التي ترأستها من سنة 2018 إلى صيف 2021 بأنها «النظارة» التي فتحت عينيها على الدنيا
الشعر والمحاماة ... و«أثر الفراشة»
عندما نقلّب صفحات كتاب حياة يسرى فراوس تطالعنا أكثر من صورة وأكثر من صفة، فهي الناشطة الحقوقية والمناضلة النسوية والمحامية الشرسة والشاعرة الرقيقة، وهي الزوجة والأم ... وفي كل أحوالها هي الجميلة والمشرقة في ابتسامة عذبة كوميض من الحب والأمل والثقة بالنفس
التحقت يسرى فراوس بكلية الحقوق والعلوم السياسية والاجتماعية لتتخرج منها محامية تدافع عن حقوق المضطهدين والمظلومين سواء كانوا نساء أو رجالا.
فكيف للمحامية الهادرة كموج غاضب في ساحات المحاكم أن تتحوّل إلى شاعرة في وداعة الحمل وهي تنظم أبيات القصيدة؟ إنه الإنسان الذي يربط بين هذين العالمين ويمتد كهمزة وصل بين رداء المحاماة الأسود وبياض الورق. فلا تغيب منظومة حقوق الإنسان الشاملة عن شعر يسرى فراوس و لا تنسحب القصيدة من ذهنها وهي ترافع دفاعا عن حرية الإنسان. وهي التي قالت في أحد حوارتها الصحفية: « في عام 2008 كنت في محاكمة سياسية لمجموعة من النشطاء، وكنت أرافع أمام القاضي في قضية سياسية وفجأة صرت أتلو الشعر لمحمود درويش لأقول إنّ أثر تعنيف البوليس للمناضلين التوانسة لا يُرى تذكيرا بما قاله محمود درويش بأن «أثر الفراشة لا يُرى» فغصّ جميع من في الجلسة بالقهقهة. وقال القاضي ما دخل محمود درويش بالقضية السياسية! «
هي قصيدة بنفس الثورة وروح الانتفاضة التي تكتبها يسرى فراوس عند كل استراحة من جلبة محكمة أواجتماع جمعية النساء الديمقراطيات أو نقاش مستفيض حول الحقوق والحريات ... وهي التي أنشدت قائلة في «حمّى القصائد»:
« حَبّةَ قمحٍ
لسنا نعلَمُ كيفَ تُصبحُ الحبّةُ
انتفاضةَ خبزٍ
ونعجبُ
ما اللغةُ يا لُغتي إن لم يشبعِ الفقراء؟»
المساواة شعارها والهيمنة الذكورية عدوها
«إنّ المساواة الكاملة بين الجنسين ليست خيارا مرغوبا فيه، ولكنها هدف يجب أن يسعى كل مجتمع إلى تحقيقه»، هو شعار رفعته يسرى فراوس في كل معاركها من أجل المرأة وحقوقها وكرامتها... وتسعى الفائزة بجائزة «آن كلاين» إلى تحطيم صخرة «الهيمنة الذكورية» في كل المجالات من سياسة واقتصاد وعلاقات اجتماعية... فتهوي بفأسها بقوة وصلابة في اجتثاث لجذور القمع والتخلف والرجعية. ولئن يصعب حصر نضالاتها في أسطر معدودة فلا بأس من التذكير بأن يسرى فراوس أطلقت منذ سنة 2000 عريضة للمساواة في الميراث . كما شاركت في إطلاق سراح جابر الماجري سنة 2012.
في عام 2017، كانت يسرى فراوس عضوة في مجموعة العمل ومجموعة الضغط لاعتماد القانون رقم 58/2017 بشأن القضاء على العنف ضد المرأة . كما تركت بصمتها الخاصة عند ترؤسها للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات .
يسرى فراوس هي أول امرأة تونسية، تتولى منصب مديرة تنفيذية لمكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان. وهي اليوم أول امرأة تونسية وعربية تفوز بجائزة «آن كلاين» التي من المنتظر أن تتسلمها في شهر مارس 2022 في برلين .
كانت هذه الأسطر بعض من مسيرة يسرى فراوس المناضلة النسوية والناشطة الحقوقية وملمحا من ملامح شاعرة هي «النص والريح ترجمتها.. والغيم محبرتها»... وفوق الوصف عذوبة ابتسامتها!