في القصص والحكايات الشعبية، فلنتجول في رحاب فاغا الجميلة وموروثها الشعري والفلكلوري عبر فرجة مسرحية موشّاة بالألوان والحب، فلنرحل إلى باجة ولنستمع الى قصص أهلها وعلاقتهم بطائر اللقلق الجميل ذاك الذي تشاهد اعشاشه متناسقة في أعالي المدينة كانه حارس للذاكرة الشعبية فلنحلم جميعنا مع «سليمة واللقلق» من اخراج محمد صالح عروس.
«سليمة واللقلق» الانتاج الجديد لمركز الفنون الركحية بباجة تحت إدارة فيكتوريا آخريتيسكا، نص بشير بوعلي وتمثيل يثرب الحفصي ومحمد الهميسي وهيام نصري وهيثم جرايدي وفاتن ماجري وماهر التواتي وهيفاء الطويهري وسينوغرافيا ايمان الصامت وكوريغرافيا حافظ زليط وموسيقى يسري اليحياوي.
الألوان تصنع فرجة مختلفة ومشهدية حالمة
مسرح الطفل لعبة ممتعة، مشاهد مميزة، صور تتكامل كما لعبة «البوزل»، اداء ممثلين صادقين مقتنعين بصعوبة الرسالة وقدرة العمل على التاثير في الطفل سلبا او ايجابا، ولأننا أطفال لا نكبر ولان الطفل داخلنا شغوف بالبحث والسؤال يغامر محمد صالح عروس ويبحث في داخله عن الطفل الذي يسكنه، يسأله ويبحث معه ليقدم في كل مرة عرضا مسرحيا مسكونا بالحب وطاقة من الألوان ترسم الابتسامة على محيا الطفل المتفرج وتدفعه لمزيد الإقبال على الفن والحلم.
موسيقى مميزة هادئة تشجع الطفل على الإنصات، بيت خشبي صغير، فتاة بلباس زهري تغني لصغيرها اغنية قديمة «نني نني جاك النوم، انت تميره في عرجون، وحويته في بحرها تعوم، يا هليل في اويوم» ترنيمة تغنيها كل الامهات في الموروث الغنائي التونسي.
ينطفئ الضوء في الخلفية تدريجيا ليظهر الخنفس «كوكسي» (ماهر التواتي) يقلد ابطال الملاكمة ويحادث «زينة» التي تنهره عن ضرب اللقلق فيجيبها «كنت نلعب معاه، الحاج قاسم صاحب وحبيب» ومن هنا تبدأ المغامرة والحكاية، هي «حكاية من زمان بلادي» كما هو اسم العمل، نص كتبه البشير بو علي بحث في الموروث الشفوي للجهة وصنع منه نصه المسرحي الموجه للأطفال.
«سليمة واللقلق» رحلة مسرحية مسكونة بالموسيقى الجميلة والالحان البسيطة، دعوة للتضامن والحب وتعريف للطفل بموروث مدينته وبلاده، جولة في ربوع باجة وقصصها، يحكيها الخنفس كوكسي والخنفساء زينة، ابطالها بشر الطفلة سيلمة وحيوانات الخنفس كوكسي والخنفساء زينة وطائرالحاج قاسم والاشجار الغصن زويتن وشخصيات من الطبيعة مثل «القرة» و»سيدي البارد» و»حليبة» و»روح الغابة»، وبطلتها الطفلة سليمة في رحلة بحثها عن شقيقها الذي طار به «الحاج قاسم بعيدا»، تتصاعد الاحداث لتتعرف سليمة الانسانة على الشخصيات الاخرى التي تساهم في سيرورة الحدث المسرحي.
تنطلق رحلة البحث مع شجرة «خضراء بين الاشجار، لا تأثر فيها شمس ولا امطار، زاهية بالالوان، مذكورة في كل مكان، في باجة مطمور روما، في التل وفي مابين الوديان» هي الزيتونة الشامخة معها تنطلق قصة جني الزيتون وتعليم سليمة مراحل الجني والعصر ليحصل الناس على زيت زيتون صاف ولذيذ.
بين التعليمي والتثقيفي تكون الرحلة
في رحاب الطبيعة نرحل، نتجول كما الاطفال بين البساتين الخضراء والمروج الممتدة، ننسى أننا كبرنا بالقدر الكافي ونعود أطفالا نسابق سليمة في بحثها عن أخيها الصغير، الموسيقى تشجع على الرقص والتفاعل، الموسيقى كتبت خصيصا ليشعر الطفل انه ينتمي إلى ذاك العالم، طفل اليوم المتعلق اكثر بوسائل الاتصال الحديثة تعيده تدريجيا إلى سحر الطبيعة والتماهي مع جمالها من خلال العرض المسرحي المنجز بطاقة من الحب تجمع كل الفريق، من «الزيتونة» الى «حليبة» وباجة مشهورة بالاجبان والحليب، حليبة ببياض ناصع تقرر مساعدة سليمة شرط ان تصنع الزبدة في الشكوى وتغني «دز شكيوة دز، والله ماتدز، كان يجي مولاها، ويعطيني كراها» تلك الأغنية المحفورة في ذاكرة اغلب شباب اليوم فهي ذاكرة الجدات والامهات، اغنية تقدم بتوزيع موسيقي جديد يشد انتباه طفل الوقت الراهن.
تتداخل عناصر الفرجة والاغراءات البصرية لمزيد الانتباه، تتناسق الألوان مع الموسيقى والديكور وحركات الممثلين لتقديم حكاية من حكايات بلادي، تنصهر كل مقومات السينوغرافيا حسب المشاهد لإيصال رسائل العمل التربوية و الفرجوية، فالمسرحية تقدم للطفل العديد من المعلومات عن التقويم الفلاحي وكيفية جني الزيتون وتحويل القمح الى مواد غذائية والحليب وتصنيع الزبد والاجبان وهي مواد غذائية يستهلكها الطفل ربما دون معرفة مصدرها، بالإضافة الى تحفيز خياله كي يرسم صورة للقرة او الحرّ كما يتخيلها هو، فالمسرحية دعوة مفتوحة لتشغيل كل الحواس ليحلم الطفل انطلاقا من الموروث والأغاني القديم المتوارثة.
ليس للحلم نهاية، كذلك المتعة في «سليمة واللقلق» من «الحليبة» الى «السبولة» الشامخة السمراء سمرة الارض ومنها الى اقصى الشمالى حيث يوجد «سيدي البارد» تصبح الإضاءة خافة، الكثير من البياض صوت الريح يزمجر لتشعر بالبرد في مكانك، مشهد من القساوة والبرودة توضع فيه الطفلة والحاج قاسم، فسيدي البارد يرمز للشتاء وهو منزعج من وحدته ويبحث عمن يؤنسه لذلك أرسل «القرّة» لخطف الطفل، المشهد الأخير من المسرحية يرمز إلى التضامن بين عناصر الطبيعة لمساعدة الطفلة والحاج قاسم، هو بحث في واقعية الشتاء وحضوره القريب إلى كل الارض «لا شتاء دايم ولا صيف عايم» كما يقول «كوكسي» لتنهي المسرحية بمشهد تساقط الثلوج والاحتفال بمجيء فصل الأمطار والمياه التي سيخلفها ربيع مزهر.
حكاية من زمان بلادي او سليمة واللقلق مسرحية مصنوعة بالحب، تغوص في التراث الشفوي وتقدمه للطفل المتفرج، تتكاتف الالوان مع الإضاءة والسينوغرافيا لتقديم مشهدية جميلة تسعد العين وتحفز العقل ليطرح الأسئلة، فالمسرحية بحث في اثراء المشهد البصري من خلال سينوغرافيا تراوح بين الواقع والفانتازيا السحرية تحث تحملنا فكرة المشروع نحو توجه فلكلوري شعري باعتماد فاعلية الخيال وقدرته على تحويل الموروث اللامادي الى شخصيات درامية مليئة بالعبر والمغامرات والفرجة، هي مراوحة بين الشكل الظاهر والمعنى الخفي، حركة بصرية وتنوع للالوان يشجع الطفل على الخيال ويشحنه بالأمل.
العرض الاول لمسرحية «سليمة والقلق» لمحمد صالح عروس في مركز الفنون الركحية والدرامية بباجة: أبواب الحلم لن تغلق مادام هناك مسرح ينتصر للأمل
- بقلم مفيدة خليل
- 11:02 20/12/2021
- 1223 عدد المشاهدات
فلنرحل الى عوالم الخيال والصورة المتكاملة، فلنرحل إلى عالم من الألوان والحكايات التي تحفز خيال الطفل وتدعوه لمزيد البحث