مسرحية «المرايا» تأطير جلال عبيد ضمن أيام قرطاج المسرحية بالسجن المدني بقبلي: المجتمع مشوّه يحتاج إلى مرآة ليرى قبحه

لا حدود للفكرة، لا حدود للأفكار المتمردة والباحثة عن التجديد، ليس للمسرح حدود فهو فعل متحرر من كل القيود حتى

وان كانت في السجن، خلف القضبان جمعتهم الفكرة، وحّدهم حب النشاط المسرحي، اجتمعوا ليتقاسموا الوقت والتدريبات وينتهون بتقديم عرض تجتمع فيه المقومات الفنية و الإنسانية.
في هذا السياق تتواصل الرحلة المسرحية ضمن فعاليات مسرح الحرية، ليلتقي جمهور دار الثقافة ابن خلدون المغاربية مع مسرحية «مرايا» تأطير جلال عبيد وتقديم مودعي السجن المدني بقبلي.
نظرة المجتمع الدونية تشوّه كل جميل
«مرايا» مسرحية تنطلق بصوت الملالية، ام تناجي وحيدها البعيد عنها بسبب السجن، إضاءة صفراء خفيفة كأنها وجع الروح وتفتت النفس لحظات الخوف،شاب بلباس اسود يجلس في مكان منزو وفي رأسه آلاف الأصوات التي نسمع أزيزها وصرخاتها، شاب يعانق الحرية بعد سبعة أعوام من سجنه، يخرج من سجنه الضيق إلى سجن آخر اكبر اسمه، العادات، المجتمع، نظرة الآخرين، البحث عن شغل، البطالة، الزواج، المسؤولية جميعها سجون ربما اشد وطأة من السجن الصغير «الحبس».
يجتمع الممثلون في مقهى، الديكور صنعه نزيل من السجن المدني بقبلي، في المقهى عينة عن المجتمع التونسي بأغلب شرائحه فيوجد المثقف والعامل والباحث عن عمل والحالم بالثورة و»البطال» جميعهم في مكان واحد يتبادلون الأحاديث والحكايات ومنها ينطلقون في نقد المنظومة المجتمعية والسياسية في تونس.
في «مرايا» ينقد المجتمع التونسي ظاهرة الانانية والتسلّط، يقع التساؤل عن «الاكتاف» ودورها في تغيير مسار حياة الكثير، يشيرون إلى قبح التونسي في تعامله مع التونسي الاخر، في «مرايا» يصبح السجين الضحية والاخر هو المتهم، تختلف الادوار، فماذا لو وضعت نفسك مكانه في لحظة الخطإ؟ حينها ستكون مكانه خلف القضبان ايضا، جميعنا معرض للخطأ «بابين فقط في تونس لا يغلقان ابدا ودائما تسمع هل من مزيد: المقبرة والسجن» كما يقول نص المسرحية.
في مرايا يشيرون الى نفاق المجتمع فهو يدعي انه يؤمن بمنظومة الإصلاح نظريا لكنه في الواقع لا يشغل من سجن بتهمة السرقة، لا يشغل من حصل على شهادة تكوين داخل مؤسسة السجن، مجتمع يرى انه الكامل وحده مالك الأخلاق والقيم بينما هو مشوّه بالنفاق والامراض النفسية وعدم قبول الآخر، مجتمع يدعي الانفتاح وهو منغلق على افكار قديمة وبالية، مجتمع يدفع الإنسان للخطئ وحين يرتكبه ينبذه بتعلة «العيب»، في المسرحية تشريح للعديد من الظواهر المجتمعية، عملية «زوم» لأخلاقيات التونسي وطريقة معاملته للأخر (يقترب الى صاحب السلطة وينبذ الفقراء والمعدمين من أبناء مدينته، ينصت لأحاديث الكاذبين ويشاركهم نفاقهم الاجتماعي ويصمّ اذنيه عن حقيقة الصادقين)، فالمسرحية تكاد تكون دراسة اجتماعية تفكك المجتمع التونسي وعاداته.
المرآة مانحة الأمل
هن الحاضرات الغائبات، النساء لم يوجدن على الركح جسدا لكنهن حضرن روحا وتيمة، فالمرأة بالنسبة للسجين تسكن الذاكرة وتحتل مساحة من الروح، هي الأم التي يريد رؤيتها وعناقها، هي الحبيبة التي يحلم بمشاركتها الحب والجمال، هي الأخت، هي العاملة و الفلاحة، هي الباحثة عن حقها في الحياة والكادحة لإثبات ذاتها.
المرأة تحضر من خلال النص والفكرة، فهي تتجسد في صوت الام وغنائها الحزين أسفا على فراق ولدها، وتحضر في نقد عقلية مجتمعية تجبر المرأة على العمل في الحقول بينما الذكور يستوطون المقاهي «كيف ل كان تتحدث وأختك الكبرى ماتت في حادث الشاحنة» فيجيب «ارسل أخته الصغرى للعمل» فعمل النسوة والظروف المنهكة للجسد والقلب موضوع تنقده مسرحية مرايا.
في المسرحية يقع الانتصار للمرأة، والكشف عن مدى معاناتها في هذا المجتمع وأمام عقلية ذكورية مستفحلة، فذاك يريدها موظفة ليضمن راتبا يعيله والآخر يجلس في المقهى ويرسل أخواته للعمل وثالثا يقسم انه أكثر رجولة من زوجته ورابع يريد زوجة وهو يعاني البطالة، المرأة ذاك الكائن القوي مانحة الحياة يوجهون لها تحية اكبار من خلال نص يكشف معاناتها ووجعها مؤكدين انها خلقت لتبجّل فهي من يمنحهم الحب والأمل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115