إلى الابداع على الركح فهو ممثل متلون ومتحول تسكنه طاقة مارد عجيبة، اما الادارة فيتعامل معها بحنكة وطموح، حسام الغريبي الممثل المتلون، والمسرحي الحالم مدير مركز الفنون الركحية والدرامية بالمهدية ومهرجان مسارات المسرح، له زاده الابداعي وطاقة من الحب للمسرح لاتنضب.
في مسارات التقته «المغرب» ليفتح شبابيك الذاكرة ويشرّعها ويتحدث عن المهدية مدينة ومسارات الفكرة والحلم ان تصبح مدينة المهدية بتنوعها الجغرافي والتراثي «افينيون الصغرى».
• أطفأ مسارات شمعته الثالثة، كيف كانت ملامح المشروع؟
أخذ المشروع يتشكل، بدأ يكتمل وأصبح له جمهور متعطش ينتظر الدورة، مسارات ليس مجموعة من العروض بل هي فكرة مشروع، جمهورنا يشاهد ويتعرف على المسارات المختلفة والمشارب المسرحية المتلونة العمومية والخاصة، نريده ان يعرف جماليات المسرح التونسي، لذلك يكون اختيار الاعمال على دراسة لتشكل المشهد المسرحي التونسي تلك الدورة.
• كيف استطعتم تكوين قاعدة جماهرية للمسرح؟
أصبح الجمهور يؤمن بالمهرجان، الجمهور لم يعد ياتي فقط ليشاهد عرضا بل أصبح حضوره يناصر الفكرة ويعزّز حضور الفعل المسرحي في المهدية نحن نؤسس إنسان سوي، نربّي جيلا ومواطنا، أصبح المهرجان معروفا في حيز المدينة حتى لو توفرت الارادة السياسية فهي تعاضد مجهوداتنا،مثلا السيد والي المهدية يتصل يوميا ليتابع وضعية المهرجان كما انه يقدم الدعم المادي والمعنوي ورهان السلطة الجهوية على المهرجان عزز حضور المهرجان.
• هل اصبح مقر سيدي مفضّل فضاء تابعا للمركز بعد «عركة» مع الادارات؟
«عركة» ممتعة نخوضها منذ فترة، منذ تعييني هنا حلمت بأن يكون للمركز فضاء خاص به، فضاء مسكون بهاجس الإبداع نلونه بتلوينات الحرية و المسرح، ويمكن القول اننا حققنا انتصارا في هذا المجال ونشكر وزارة املاك الدولة ووزارة الشؤون الثقافية وولاية المهدية والمندوبية الجهوية للثقافة، أخيرا أصبح للمركز فضاء خاص، فضاء سيدي المفضّل بالمهدية ببرج الراس في قلب المدينة العتيقة، مساحته 342متر مربعا وقد تلقينا من وزارة الشؤون الثقافية وعدا بالمساعدة لتتولى إطارات المعهد الوطني للتراث الإشراف على تهيئة الفضاء وتحضيره، ونحاول أن تكون مصافحة الجمهور في الدورة القادمة لمسارات في مقر مركز الفنون الركحية والدرامية الجديد بسيدي مفضل، سيكون فضاء إداري خاص بالمركز.
• بعد ثلاث دورات لمسارات مع انتاجاتكم الخاصة والورشات هل يمكن القول انّ المركز لبنة أساسية في الفعل الثقافي بالجهة؟
المركز ضرورة ملحة، نحن نعمل باستراتجية واضحة، المهدية كولاية ليست سهلة ولاية مفتوحة على الساحل وفي الوقت ذاته فيها حيز ريفي كبير جدا، تصورات المسارات نريدها ان تنفتح في كل دورة على معتمدية من معتمديات الولاية، سنعمل بالشراكة مع المعتمديات إذ من حقها الفرجة لعروض مسرحية تحترم الفكر والعقل الانساني ومن حقها على المركز ان يوفر لها مساحة لمشاهدة الفعل المسرحي الحقيقي، اول المعتمديات ستكون اما الشابة او الجم.
في اطار البعد التاسيسي بعثت اكادمية الممثل التي تشرف عليها نهى المكشر فيها اكثر من 120 منخرطا، اليوم هم الاعمدة التي يقف عليها هيكل المهرجان وقد أصبح المتطوعون العمود الفقري لكل الفقرات التي نقدمها في مسارات، كل التظاهرات التي ننجزها جميعها في اطار تشاركي، المركز دخل في منظومة ديناميكية لخلق فعل مسرحي حيوي ويومي من خلال التكوين والفرجة والنشر والانتاج، وفي اول انتاج للمركز للكهول راهنا على ابناء الجهة في المؤتمر او في مسرحية «شريدة».
• بالعودة الى مسرحية «شريدة» هل سكنك البحر ليكون اول انتاج للكهول ناطقا بهموم البحارة وحكاياتهم؟
بعد تجربة في 27 عمل مسرحي كممثل وتجارب مع القيروان كدراماتورج، حان الوقت لانجز مشروعي وانا في المهدية طرحت سؤال علاش نعمل المسرح؟ ماهو دوري؟ اذا لم اناقش الخصوصيات المحلية والحضارية لجهتي فلم انجز المسرح؟ واقدم عمل بروح الجهة ما فائدة المسرح، كان بالامكان الاقتباس او الاشتغال على اي اثر عالمي، يمكن انجاز هاملت او عطيل ولكن اين شخصية المهدية هنا؟ لم لا انطلق من الحيز الجغرافي والتراثي للمهدية وهو غزير جدا، وقررت الانطلاق من البحارة، لان المهدية عاشت حادثة غرق مركبي «البركة» و«مرزوق» وقد حصلت فاجعة في المدينة، الحدث ليس عابر وهينا وقررت الاشتغال عليه وانطلقت في كتابة النص وراهنت على ابناء الجهة من الهواة وهم ابناء الفرقة القارة سابقا محمد قريع ومحمد الحجاج ومحمد خميس والسينوغراف فتحي النخيلي.
بعد سنوات من العطالة اصبحوا موظفين في المركز لذلك المركز لهم، وبعد الانقطاع الطويل دخلوا وانخرطوا في المركز هم مبدعون بالاساس ويمكن ان نراهن على امكانياتنا البشرية، هذا السبب الحقيقي لوجود المركز.
• شاهدنا في المسرحية البعد الديني المبثوث في العمل من قرآن الى مساءلة الفكر الشيعي ومساءلة سقيفة بني ساعدة كيف كانت ملامح هذه المغامرة؟
نحن ننجز مسرحا قائما على السؤال، امام المسرح لاوجود لشيء مقدس فقط الصدق، في البداية حدث نوع من الارتباك حين ساءلنا البعد الديني في العمل نسائل سقيفة بني ساعدة ونسائل الخلفاء الراشدين نساءل البعد الشيعي في المهدية المبثوث في مسكوت الناس هي مدينة شيعية حتى في تمظهراتها الجمالية لنقدم مسرحا يقوم على السؤال لا يمكن تجاوز مساءلة الفكر الديني وتفكيكه والاخذ بكل الابعاد الموجودة وتوظيفها في البعد الجمالي ففي الشريط الصوتي استعملنا القرآن تحديدا قراءة عبد الباسط عبد الصمد وترتيله المميز.
واعتبر القران من قدسية المسرح، أنا اعرف ما معنى دار عزاء في المهدية ووفاة بحار، اقتربت كثيرا من الواقع ووظفت آلياته في العمل «سقالة البحر» قراءة شجية ووظفت في العمل وهي في السياق الجمالي واعجبت الناس.
• ماهي أهمية المسرح في ظل ضبابية المشهد العام؟
المسرح الان يعيش لحظات فارقة، على المسرح التونسي ان يسائل نفسه، لماذا نعمل المسرح ولمن نقدمه؟ وهل سنكون بمعزل عما تعيشه تونس ام سننخرط فيه؟ يجب ان نسائل انسفنا، مسرح اليوم يجب ان يسائل السياسي ويسائل المؤسسات، صحيح ان المسرح التونسي من اكثر المسارح تعددا وانتاجا وتوزيعا وترويج لكن نخبة المسرح في تونس وباحثيه والمشتغلين عليه الم يطرحوا سؤال ما جدوى انجاز مسرح؟ ولمن يقدمونه؟، الجزء الثاني من السؤال نجيب عنه في مركز الفنون الركحية والدرامية.
فحسب رأيي مراكز الفنون الركحية في الجهات يجب ان تشتغل على جمهور تلك الجهة، عليهم ان يمسوا كل الشرائح الاجتماعية انطلاقا من البعد الثقافي للجهة نفسها، يجب ان يخاطبوا «الاخر» في الجهة عبر البحث في الخصوصيات الحضارية والثقافية ومناقشة الموروث والقضايا المحلية الراهنة، لاني اعتبر مثلا حدث 25 جويلية في العاصمة ليس نفس الحدث ورهاناته في المهدية، وعلى المسرحي هنا نطرح السؤال انطلاقا من خصوصيات كل جهة، الاشعاع المحلي يضمن الاشعاع الجهوي فالوطني.
• في الدورة الثالثة قدمتم ندوة عن «المسرح والتحولات الاجتماعية» وفي المسرحية خاطبتم البعد الاجتماعي؟ فما ملامح المسرح الذي يقدمه حسام الغريبي؟
انا انجز مسرحا قائما على السؤال وقريبا من الناس وشواغلهم، مسرح شعبي باطروحات جمالية فكرية جديدة بشعرية مطلقة.
اعتبر المسرح مثل علم الاجتماع، المسرح علم يفكك المجتمع ويبحث في المسكوت عنه ويشرح كل تركيباته وكل تنوعاته وتمظهراته، والا ما جدوى انجاز مسرح، مثلا في المهدية لو اغلقت مخبزة سيتحرك ويحتج الجميع لكن لو اغلق المركز او دار ثقافة لن يتحرك اي مواطن، اليس كلاهما غذاء وضرورة؟ من هذا المبحث نعمل، اعتبر أن المركز يجب ان يغير من العقلية وتصورات المجتمع، دوره مع المساءلة والتفكير ايضا التغيير، المهرجان له صداه وانجز رجة في المدينة «المدينة تتنفس» ، محطة سيارات الاجرة تعمل المقاهي والمطاعم والشارع الموجود قبالة المركز اصبح اكثر حيوية وهذا دور المركز والمسرح.
• من مميزات المهرجان تكريمه للمبدعين الاحياء؟ اهي استراتجية ام مصادفة؟
في الدورة الثالثة كرمنا حسن المؤذن وهو قامة وقيمة ملتهم للكتب مسكون بمسرح اخر المؤذن تكريمه ليس من اجل توازنات جهوية، استراتجيتنا لن نكرم الاموات، نكرم الاحياء والفاعلين.
الدورة الفارطة كرمنا عبد الرؤوف الباسطي الانسان الذي جاء بالمسرح الى التلفزة، الانسان الذي صورت في عهده غسالة النوادر والانسان الذي أسس فرقة البعث المسرحي بالمنستير، في هذه الدورة قررنا تكريم حسن المؤذن الدورة القادمة سنكرم كمال العلاوي، ثم سننفتح على التجارب المسرحية الشابة، ما المانع في تكريم شاب مسرحي، ما المانع مثلا ان نكرم تجربة نزار السعيدي وغيره من الشباب صاحب الفكرة والمشروع، او تكريم تجربة احدى مراكز الفنون الركحية والدرامية او تجربة علي اليحياوي المختلفة جدا، نحنا قطعنا مع فكرة تكريم الاموات، نريد تكريم مبدعينا وهم يمارسون فعلهم المسرحي الابداعي، نريد تكريمهم ليواصلوا العمل بروح مختلفة وعنفوان للحب والحياة.
وفي اطار التوثيق ولانّ التاريخ لا يكون الا مكتوبا ستكون الندوات مطبوعة في كتاب،وقد صدر الكتاب الاول «المسرح التونسي من الفرق الجهوية الى مراكز الفنون الركحية» والكاتب الثاي «المسرح والتحولات الاجتماعية» سيصدر قريبا.
• تراهنون على ابناء الجهة في اعمالكم؟ كيف جمّعتم اساتذة المسرح بالجهة على فكرة موحدة؟
هو رهان المركز، «المركز متاعكم» هم المشتغلون الحقيقيون، اجتمعوا في عملنا الاول «الفينيكس» ثم انفتحنا على المنستير ليكونوا في مسرحية «المؤتمر» اخراج عاطف بن حسين ومعنا عمر البسباس وفوزي اللبان وسفيان شبيل انفتحنا لان المركز منفتح على الساحل وينفتح على الطاقات الموجودة.
على مستوى التكوين ايضا راهنا على ابناء الجهة والاستاذة نهى المكشر هي المشرفة على التكوين للاطفال والكهول الذين يتلقون تكوينا نظريا وتطبيقيا، وفي الفترة المقبلة سيقدمون مشاريع مختصرة لتقدم في افتتاح مسارات في الدورات القادمة، كل عام سنراهن على عمل من انتاج المركز او الجهة ونسعى ليكون «مسارات» هيكل منتج لعمل مسرحي.
• كيف ترون «مسارات» بعد عشرة أعوام؟
مسارات الفكرة حسب تصوري سواء أبقيت في الادارة او غادرتها (المؤسسات تبقى والاشخاص يرحلون) من مهرجان وطني الى عربي ثم عالمي ولكن الاكثر نريد مسارات قارية بالمهدية، من القارات الخمس ناتي بتجارب مسرحية مختلفة لنشاهدها ونناقشها وينفتح الجمهور على التمظهرات الجمالية المتعددة، نريد ان تكون المهدية «افينيون» الصغرى فجغرافيا موقع المهدية جد استراتيجي (برج الراس رأس من رؤوس افريقيا المطلة على المتوسط)وفي ظرف هذه العشرية سنعمل على تحقيق هذا الحلم.
«مسارات» كتجربة ستخرج من فضاء العلبة الايطالية وتنفتح على حيز المدينة في الاسواق والفضاءات المفتوحة، مع توفر الارادة ثم الامكانيات يصبح المستحيل ممكنا لاننا ننجز ما نعمل بكل الحب ونريد ان تظل المهدية مدينة الحب والفن.
• ماهي استراتجية عملكم مع المؤسسات الثقافية الموجودة بالجهة؟
من المميز اننا نعمل في بعد تشاركي بين مؤسسة مركز الفنون الركحية و المندوبية ودار الثقافة ، نتشارك كل التفاصيل مندوب الشؤون الثقافية ممثل السلطة الجهوية هو فرد من المجموعة،يحضر العروض ونتشارك الاراء وهو موجود دائما، باختصار نحن نعمل في شراكة كاملة ومستوفية ومعنا دار الثقافة المهدية شريكة، ونطلب بكل ود ان تدخل معنا بقية دور الثقافة لنتشارك الحلم والنجاح فكل المؤسسات الثقافية في الجهة مرحب بها في مسارات.
• تحدثتم عن الحيز الريفي الكبير في المهدية؟ هل توجد فكرة لتقديم عمل يمس خصوصيات تلك الربوع؟
توجد الفكرة وهي مطروحة بقوة، سندخل الى السواسي الكبرى ونريد الاشتغال على شخصية محمد الصغير ساسي الشاعر الشعبي والجليدي العويني هو الاخر مراهن على الفكرة وسيكون كاتب النص، سيكون العمل حتما شعريا شاعرية محمد الساسي الصغير في اطار انفتاحنا على الخصوصيات الثقافية لكامل ولاية المهدية.
حسام الغريبي مدير مهرجان مسارات ومركز الفنون الركحية بالمهدية لـ«المغرب»: المسرح مقدس كما القرآن
- بقلم مفيدة خليل
- 09:30 01/10/2021
- 875 عدد المشاهدات
• أحلم وأعمل لتكون المهدية «افينيون» الصغرى في العشرية القادمة
طموح ومغامر ومشاكس، لا يعترف بكلمة المستحيل، يؤمن بأن المسرح حياة، يقوده شغفه بالفن الرابع