تعريف الرجل في كلمات وجيزة وهو المبدع المفرد في صيغة الجمع. وقد اختار المعرض الوطني للكتاب التونسي تكريم هذه الشخصية البارزة والمعروفة في عالم الفنون التشكيلية احتفاء بأعلام ولاية صفاقس، ضيفة شرف المعرض.
في «خيمة الإبداع» بساحة المسارح بمدينة الثقافة، تم أوّل أمس الأحد 20 جوان 2021 تكريم الفنان والأستاذ حبيب بيدة من خلال شهادات شيّقة لعدد من زملائه وتلاميذه...
الفن العربي الإسلامي لم يكن نتيجة القمع الديني
كان الدكتور الحبيب بيدة محلّ تكريم واحتفاء في المعرض الوطني للكتاب وهو الذي لم يكتف بالرسم فنا وممارسة بل ساهم في تحبير مقالات وبحوث ومؤلفات عن الفن التشكيلي وثقافة الجمال عموما. بهذه المناسبة قال الفنان الحبيب بيدة:»لم يكن الفن في كل الأمكنة والأزمنة إلا تحقيقا للذات، وحتى الفنون التي ادعى بعضها أنها كانت ملاذا للمبدعين نتيجة للمنع الديني لم تكن كذلك.» وأضاف بالقول «لم تكن تقنعني التأويلات المقدمة من طرف المستشرفين وبعض المفكرين الغربيين والعرب من أن الفن العربي الإسلامي كان نتيجة للقمع الديني وخاصة منه التصوير باعتبار أنّ هذا التصوير المتمثل في المنمنمات كان نتيجة لتحريم الصورة المضاهية للخلق الإلهي. وقد دفعني هذا التأويل إلى إعداد أطروحتي للدكتورا (تونس 1980 ودكتورا الدولة بالسربون باريس 1993) . وبعد التعمق في دراسة الفن العربي الإسلامي في علاقته بالتراث الفكري والفلسفي المعاصر له انطلاقا من الكندي والفرابي والتوحيدي وإخوان الصفاء وابن خلدون وابن عربي... وجدت لديهم تفسير لمفاهيم الفن في علاقتها بالإنسان المبدع أي علاقة الصناعة بالصانع وعلاقتهما بالطبيعة الصانعة، قوة البارئ كما يقول التوحيدي، هذه العلاقة التي أساسها المحاكاة، محاكاة الإله في خلقه تحقيقا للذات الإنسانية المبدعة».
بالرغم من أنه ينتمي إلى عالم الموسيقى، فقد وجد المختص في العلوم الموسيقية سمير بشّة خيطا ناظما بين السماع البصري والسماع الموسيقي في أعمال الحبيب بيدة. وفي مداخلة بعنوان «في حضرة الأستاذ الذي بعثر أفكاري الحبيب بيدة»، تحدّث سمير بشة عن الحبيب بيدة فقال من بين ما قال: «كان أستاذنا شديد المعارضة لأقوال «ألكسندر بابادوبولو» الذي اعتبر أنّ منع الدين الإسلامي للرسم المحاكي كان سببا في وجود هذا الفن لدى العرب، بمعنى آخر أن هذا الفن جاء إلينا عن طريق الصدفة. لقد أكد الحبيب بيدة أن الفن العربي الإسلامي جاء مختلفا عن الفن الغربي الذي ظهر في عصر اليونان ثم في العصر الروماني بالرغم من أن أصوله كانت بيزنطية».
محدث في الفنّ وناقد فذّ
عن «الفنان المسكون بالتساؤلات (سيرة في النقد والرسم)»، أشارت الفنانة التشكيلية نجاة الذهبي إلى «أن العمل الفني عند الحبيب بيدة لا يمكن أن يكون آنيا، متفسّخا ذلك أن الفكر والفن يجب أن يكون «كونيّين»، كما يجب أن يكون التعالق بينهما تعالقا حميميّا وليس مجرد صور مسقطة. لذلك فهو يدرج أفكاره ضمنيا من خلال اختياره الدقيق لعناوين أعماله الأمر الذي انعكس بوضوح على معرضه الاستيعادي الأخير الذي عنونه بـ«مجازي- تجريدي».
في محاولة تلخيص مسيرة الحبيب بيدة الإبداعية، قال وأمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين وسام غرس الله:» لو نرسم صورة لرحلة هذا المبدع على مدار أربع عقود لن نجد خيرا من كونها أنشودة متواصلة لا تعرف نهاية مطاف لمبدع بدأ حياته التشكيلية إبان ظهور بعض ملامح التجريدية في المشهد التشكيلي التونسي، وفي بدايات الحركة الكلامية والنقدية. كما يعتبر أحد أعمدة الفن التشكيلي المعاصر ورمزا من رموز الفكر النقدي منذ السنوات السبعين للقرن العشرين بتونس».
في تثمين للفرادة الإبداعية والقيمة الإنسانية للحبيب بيدة، عدّد مدير المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس فاتح بن عامر خصال الدكتور والفنان الحبيب بيدة قائلا:»إنّه الباحث العلمي الدقيق، الجامع بين حاضنتين ثقافيتين مختلفتين، ما بين غربي وعربي، شرقي وأوروبي. وهو الدارس للتراث والمحدث في الفن، إنّه المجدّد في الدرس والبحث والباعث للتجريب مجالا بحثيا وتشكيليا. إنّ الحبيب بيدة هو الإنسان العطوف والبشوش صاحب الصدر الرحب والقبول الحسن. وهو كذلك النقابي في الرؤية والمقاربة والمدافع عن الحق بشراسة لينّة».
تكريم «الحبيب بيدة» في المعرض الوطني للكتاب التونسي: مسيرة إبداع بين متون اللوحة وغزارة النقد
- بقلم ليلى بورقعة
- 10:35 22/06/2021
- 839 عدد المشاهدات
بين ريشة الرسام وحبر الناقد ومجهر الباحث ومنهج الأستاذ... يلبس الدكتور الحبيب بيدة أكثر من صفة ويرتدي أكثر من قبّعة ليصعب