على منع أنشطتهم وتعليق عروضهم و غلق مورد رزقهم... احتجاج أول وثان وثالث للفنانين في كلّ الاختصاصات وصرخات متتالية من أجل الكرامة والحياة ولكن لا من مجيب! بيانات ومراسلات ولقاءات لم تحرّك لدى الحكومة ساكنا ولم تدفعها إلى التحرك قيد أنملة لحلحلة أزمة القطاع الثقافي الذي يتخبّط في وضع كارثي ...
لم يحدث أن عاش القطاع الثقافي بطالة وعطالة كما يعيشها اليوم جراء تداعيات انتشار فيروس كورونا. كما لم يحدث أن استهانت الحكومات بصراخ الفنانين واحتجاج المثقفين مثلما يقع الآن في عهد حكومة المشيشي.
احتجاج ثالث ... ولا من مجيب !
في بلادنا يحتج منتجو الحليب وأصحاب المخابز وجل القطاعات دون استثناء فتكون مطالبهم مستجابة وطلباتهم مسموعة، وعندما تظاهر الفنانون للضرورة بعد أن أغلقت فضاءات نشاطهم وتعطلت موارد رزقهم وضاقت أمامهم السبل... تجاهلت الحكومة مطالبهم وكأن « لا عين رأت ولا أذن سمعت»!
في مرة أولى، احتج الفنانون في مدينة الثقافة يوم 5 أكتوبر الجاري اعتراضا على قرار الحكومة القاضي بمنع التظاهرات الثقافية إلى أجل غير مسمى بالرغم من احترام القطاع الثقافي للبرتوكول الصحي. وكانت الضريبة إقالة وزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي كعقاب على «التمرد» في وجه الحكومة بتبني الوزير المقال لمطالب الفنانين والتعاطف مع معاناتهم في تأمين قوت اليومي وقد توقفت عروضهم دون سواهم من القطاعات.
أما في المرة الثانية، فقد انتقل فيها الفنانون للاحتجاج أمام مقر رئاسة الحكومة عسى أن تكون أصواتهم أقرب في الوصول إلى رئيس الحكومة. فاستقبل مستشار رئيس الحكومة سليم التيساوي ممثلين عن المثقفين المحتجين وعلى رأسهم الكاتب العام للنقابة الوطنية المستقلة لمحترفي مهن الفنون الدرامية جمال العروي. وكانت الوعود بإعادة النظر في قرار إلغاء التظاهرات وغلق الفضاءات الثقافية وغيرها من العهود ... ولكن لا شيء تحقق ولا شيء تغيّر و»بقيت دار لقمان على حالها»!
آخر الوقفات الاحتجاجية ، كانت أول أمس الاثنين 26 أكتوبر 2020 حيث دعت النقابات الأساسية لمهن الفنون الدرامية والفنون التشكيلية والمهن الموسيقية إلى وقفة احتجاجية ثالثة تكون في صيغة فنية رمزية أمام مدينة الثقافة على إثر تجاهل الحكومة لتدهور الوضعيات الاجتماعية لعشرات الفنانين. وغير بعيد عن مكان الاحتجاج الأول، نظمت النقابة التونسية للمهن الموسيقية في اليوم ذاته وقفة احتجاجية ثانية أمام مقر ولاية تونس رافعة مطلب رفع الحجر عن الفنانين.
وبالتوازي مع احتجاجات العاصمة، كان الفنانون في الجهات أيضا يخوضون نضالهم من أجل فنهم وكرامتهم... وإن تعددت النقابات المنظمة للتحركات الاحتجاجية، فقد اتحدت في الشعارات والمطالب طالما أن المعاناة واحدة!
لماذا تأخر المشيشي في تعيين وزير للشؤون الثقافية؟
لم يسبق أن عرفت وزارة الشؤون الثقافية شغورا وركودا كما هو الوضع اليوم. فمنذ أن غادرها الوزير المقال وليد الزيدي في بداية شهر أكتوبر الجاري لم يتم تعيين وزير جديد إلى حد الآن ، وقد شارف الشهر على الانتهاء.
ليس بوسع وزير الشؤون الثقافية بالنيابة حبيب عمار أن يحل مشاكل القطاع العالقة ولا أن يتخذ القرارات الحاسمة وفي عهدته وزارة السياحة التي تحتضر هي الأخرى بسبب الكورونا.
أمام حجم ديون فاقت 40 مليون دينار ومستحقات فنانين لم تصرف وقوانين تستعجل النظر على رأسها قانون الفنان والمهن الفنية وعشرات الملفات والأولويات... تحتاج وزير الشؤون الثقافية إلى تعيين وزير من أصحاب الخبرة والكفاءة دون المجازفة والمغامرة بتسمية وزير مجاملات وتزكيات على رأس وزارة تصارع أمواج عاتية من الصعوبات والإشكالات ...
الغريب أنه في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى وزير ينقذ وزارة الشؤون الثقافية من شللها ويستمع لشواغل أبنائها ويحل مشاكل قطاعها ويتصدى للتقليص في ميزانيتها لسنة 2021... يتأخر رئيس الحكومة هشام المشيشي في تعيين وزير جديد دون تبرير أو تفسير!
في آخر ظهور تلفزي له وفي حوار مباشر له على القناة الوطنية الأولى، لم يحسن رئيس الحكومة هشام المشيشي التعبير وخانه التعبير في انتقاء كلماته فأخرج الفنانين في صورة «المهرجين» المقتصر دورهم على الترفيه و»التفرهيد عن العائلات»... وإن تجاوز أهل الفن عن تقصيره في توصيف وظيفة الفن وقصور نظرته لدور الثقافة، فإنهم انتظروا في المقابل من رئيس الحكومة أن يكون منصفا تجاههم وأن يصدق في قوله بمراجعة قرار منع التظاهرات الثقافية ووضع حد لاستباحة كرامة الفنان... إلا أن قرار تمديد حظر التجول وتواصل قرار إيقاف المواعيد الفنية أطاح بكل الآمال وبعثر الأحلام في أن تعود الحياة إلى شريان الفن في ظل استهتار الحكومة وعدم إيمانها بأن الثقافة نبراس الشعوب ، وفي ظل غياب إرادة سياسية خالية من النظرة الدونية إلى الفن ومراهنة على أن الثقافة هي أصل كل شئ.