عليها الأحفاد للتفاخر بإرث الأجداد وعمق الوجود الحضاري والتأصل والتجذر التاريخيين .. فليس من الغريب أن تأتي إيران إلى تونس مزهوة بإبداع حرفها وبهاء تحفها من همذان إلى أصفهان في «أسبوع الصناعات التقليدية الإيرانية» الذي يحتضنه المتحف الوطني بباردو .
في إطار مشروع توأمة بين المتحف الوطني بطهران والمتحف الوطني بباردو، انتظم أسبوع الصناعات التقليدية الإيرانية من 31 ديسمبر 2019 ليختتم اليوم 8 جانفي 2020 .وذلك تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبالتعاون مع المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية.
أشكال وألوان عنوان الجمال من إيران
من لم يستطع السفر إلى إيران، قد يجد ضالته في معرض «أسبوع الصناعات التقليدية الإيرانية» بمتحف باردو، إذ تأتي إيران إلينا محمّلة بإرثها الثقافي وحاملة لشواهدها الحضارية التي تطبع كالوشم حرفها اليدوية وصناعاتها التقليدية.
هي ألوان ترقص فرحا عند النظر إليها، ورسوم تستفز الحواس كافة في محاولة العثور على سر هندستها البديعة، وأشكال تبهر الزائر لجمالها وشموخها وتميّزها... هي ببساطة إيران التي برع أبناؤها على امتداد التاريخ في توارث فن التزويق والنقوش الدقيقة على خامات متنوعة ومختلفة من النحاس وبرونز وفضة وخشب...
في هذا المعرض الإيراني الذي احتفى به متحف باردو في حوار اللقاء التاريخي والتلاقح الثقافي، تتملك الزائر دهشة جميلة أمام سحر إبداع أياد إيرانية صرفة دون تدخل للآلات في توليد الزخارف والنقوش بدقة عالية وبمنتهى الحرفية والفن !
ليست فقط مجرد تحف ومرايا وأوان وساعات ولوحات وحقائب... أتت من إيران إلى قرطاج ، بل هي بعض من التاريخ وشيء من إرث الحضارات وعنوان هوية تتحدث جميعها عن الثقافة الإيرانية عبر العصور مستشهدة في ذلك بسجادها الفاخر وتحفها ذات اللون الأزرق الأصفهاني وخزفها الشهير ...
ومن أهم الصناعات الإيرانية التقليدية يتربع السجاد على عرش هذه الحرف التي يتوارثها الأحفاد عن الأجداد ككنز ثمين وهو الأشهر عالميا والأعلى جودة بفضل جمالية رسومه وروعة حكايته وفسيفساء ألوانه... وهو ما جعل زوار المعرض يتجمعون أمام السجاد الإيراني على اختلاف تصاميمه وأحجامه عساهم يظفرون بامتلاك هذه القطعة الفنية التي ضربت شهرتها الأمصار وذاع صيتها بين العواصم والديار.
متحف باردو والانفتاح على أدوار جديدة
من يد إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى في البلد نفسه قد تختلف القطع التقليدية وإن تشابهت في الخامات والأشكال والتصاميم... فلابد أن تحمل كل تحفة فنية شيئا من روح صاحبها وتفرّد نظرته وبصمته طالما أنه فنان يخلق من العدم حياة ويمنح أشكاله ورسومه نبضا ومدى من القراءات والتأويلات.
وقد يعثر الزائر لمعرض أسبوع الصناعات التقليدية الإيرانية بمتحف باردو على متعة التأمل والتدبر والتفحص لتفاصيل المعروضات التقليدية علّه يعثر على ذلك السر الدفين في الموهبة العابرة للقارات، وعلى ذلك الحبل السري الذي ربط اسم إيران بالسمعة العالمية في فن الحرف اليدوية منذ مهد التاريخ.
ولئن يندرج هذا المعرض الإيراني في تونس في سياق استراتيجية وزارة الشؤون الثقافية لمزيد العمل على تفعيل الدبلوماسية الثقافية وتعزيز التبادل الحضاري والفني بين مختلف البلدان من جميع القارات، فإنه يمثل فرصة ثمينة للتسويق لصورة تونس الفن والتاريخ والجمال والترويج لمعالمها الأثرية وكنوزها المتحفية...
وبعيدا عن دور المتاحف التقليدي والمعتاد في استقبال الزوار للتعرف على الكنوز الأثرية واللوحات الفسيفسائية والقطع النادرة... فإن المتحف الوطني بباردو قد سعى باحتضانه لأسبوع الصناعات التقليدية الإيرانية وغيرها من التظاهرات في مختلف الفصول إلى لعب أدوار جديدة من شأنها أن تستقطب مزيدا من الوافدين وتجذب مصادر أخرى للموارد المالية وتمنحه مساحة إضافية من التغطية الإعلامية المحلية والأجنبية حتى لا يظل نشاطه كلاسيكيا ولا يظل جمهوره موسميا... في لقاء تونس بإيران في متحف باردو، اضمحلت كل الحدود والفوارق وانسحبت حسابات الجغرافيا والسياسية ليوّحد حوار الفن وجمال الإبداع الحرفي بين قرطاج وطهران في تصافح الحضارات وتبادل الثقافات.