مسرح الحرية: مسرحية «المحطة الأخيرة» إخراج الأسعد حمدة لنادي المسرح بسجن قفصة: «بلادك... هنا الساس والأصل» فأحلم وحاول

تجربة السجن تجربة موجعة لا شكّ في ذلك وهي تجربة قاسية لكن المسرح كممارسة للحلم يقلل من قسوة هذه التجربة،

ومن تجارب المساجين وقصصهم وأفكارهم ولد نص مسرحية «المحطة الأخيرة» من إنتاج سجن قفصة باشراف اشراق فتاح، والمحطة الأخيرة هي نهاية الرحلة كلّ له تصورات خاصة حولها لكن المسرحية يكون الموت والجنون فيها نهاية الرحلة التي تخوضها الشخصيات.

«الرحلة الأخيرة» مسرحية من إنتاج نادي المسرح في سجن قفصة، مسرحية كتابة جماعية لأبناء النادي «لأنني أردت أن يكتبوا أن يقدموا نصا مسرحيا يشبههم، تركت لهم حرية الكتابة الجماعية كما الأداء الجماعي» كما قال المخرج لسعد حمدة ليكون العمل ناقدا ومشاكسا.

«اخدم بلادك وحبها»
موسيقى أغاني الراب تصدح عاليا في القاعة، الديكور يتحول الى جدار يقفز فوقه شاب يرقص ويغني وهو يحلم أن يصبح «رابور»، يأتيه «الرايس» بلباسه الأزرق وخلفه صوت هسيس الموج يصنع موسيقى المكان، يدعوه «الفرخ» ككل الناس، لأن والده مجهول منذ ولادته، وأحيانا يعطف عليه المجتمع ويناديه بولد «آمال» اسم والدته» طيلة العمل يظل اسم الشاب مجهولا فهو دون اسم -وربما كما- غيب المجتمع اسمه كذلك فعلوا في المسرحية فلاسمه العديد من الدلالات أراد المخرج تأجيل معرفته إلى آخر المسرحية خدمة لعملية التشويق.

مغني الراب يحلم في تجاوز ظلم المجتمع وقسوته، ظلمه المجتمع لأنه لا يعرف والده فاستغنى عن الدراسة بسبب الكلام الموجع والنظرات القاسية ليجد في الموسيقى وسيلة للهروب، تتصاعد الأحداث ويعترف الشاب للرايس انه يريد «الحرقة» إلى الهناك، «إلي بلاد بالألوان هناك حيث يقدّر الإنسان لجيبه وعمله ولا لأصله وفصله» حدّ تعبيره، فحلم المغادرة سكن الشاب، حينها يخبره الرايس أن «الي ما يخدم بلادو ما يخدم بلاد الناس، هنا الأصل، هنا الساس» وان جارت البلاد حارب لتحقق ما تصبو اليه، حلم الشاب بالمغادرة في المسرحية هاجس جماعي يعيشه الكثير من الشباب التونسي فمن الواقع انطلقت الحكاية، لكنهم لا يشجعون على «الحرقة» فنهاية الشاب تكون الغرق، واثناء الرحلة يعرف الجمهور ان اسمه «حلمي» ومن الحلم ولد الاسم فهل يموت الحلم «حلمي مات؟» ليجيب احدهم «حلمي مايموتش» وبالفعل لا يموت الحلم، فلو مات الحلم لما صعد السجين على الركح ليحلم ويرقص ويقدم عمل مسرحيا مبهرا».

الرحلة الاخيرة؟ كل يختار نهايته
خمس شخصيات على الركح، جمعهم حب المغادرة، لكل أسبابه لكن جميعهم يريد ترك تلك الرقعة الجغرافية، ديكور المسرحية بسيط فقط خمس مربعات طليت بالاصفر لتشبه الحائط، تتغير طريقة توزيعها بتغير مكان الحدث او الحدث ذاته، لكل شخصية حكاية مختلفة، لكل قصته اجتمعوا في مكان واحد رغبة في الهروب، كل منهم يريد الهروب من وجع ما، وجع اختاره او سلّط عليه.

طلية العرض هناك شخصية لم تتكلم مطلقا وكانت فقط بمثابة الفاصل بين المشاهد، شخصية احيانا تكون في رمزية الضمير الذي وجب أن ينبه صاحبه إلى الخطأ ومرات كما الشيطان يوسوس لاحدهم باكتراب فعل ما، تلك الشخصية مرة هي العقل واخرى هي القلب والمشاعر، شخصية لا تتكلم مطلقا فقط في نهاية العمل تقول « العاصفة احساس يظهر على وجوه البشر» ويضيف «تتعدد الأسباب والموت واحد» لان «الخريطة غالطة» وبالفعل يكون كما النبأ العظيم او هو رائحة الموت فبانتهاء الجملة تتغير الموسيقى ويزمجر البحر طلبا للطعام.

المكان امكنة والزمان ازمنة والاحداث ايضا متعددة، كذلك الشخصيات، فالرايس سكير عربيد يهرب من الواقع الى خياله لا يصحو مطلقا ورغم ذلك هو سيد البحر «المياه الاقليمية حومتي» صورة كاريكاتورية مضحكة لكنها تدفع بمن يفكر في الحرقة الى السؤال وربما عدم التفكير في الموضوع وايجاد بديل للحلم في وطنه، فهل يرمي احدهم بنفسه الى عرض البحر صحبة «رايس» لا يميز بين الضباب والحقيقة؟».

الشخصية الثانية «صابر» اسمر البشرة عامل يومي اثقلته الديون وارتفاع اسعار لمعيشة فقرر الهروب الى الهناك، حكايته يعرفها المتفرج اثناء الرحلة حينها يبوح بسره الاكبر ويعترف بأنه أحب «امال» ذات مرة لكن عائلتها رفضته لانه «اسمر البشرة» من خلال النص يقع نقد فكرة العنصرية في المجتمع التونسي.

الشخصية الثالثة رجل اقتصاد لديه الكثير من الاموال ، يتعرض الى مشاكل مالية فيقرر الهروب بأمواله الى الخارج والحل الوحيد عنده هو «الحرقة» التي جسدت على الركح من خلال «شقف» وستارة بيضاء يقع تحريكها مع لعبة الضوء لتشعر المشاهد انه في عرض البحر.

«الرحلة الأخيرة» عنوان المسرحية ومنذ العنوان نكتشف ان «الحرقة» هي نهاية رحلة الحياة، نهاية الحلم والأمل، الحرقة ليست الحل بل هي مشكل وجب مراجعته والبحث عن أسباب لتفاديه و»بلاد الطليان» لم تكن يوما بلاد الألوان بل هي سجن آخر سيأكل أحلام الحالمين، في المسرحية نقد للمجتمع ووضع للإصبع على اسباب التفكير في الحرقة، مسرحية تحضر فيها «روح المسرح القفصي» من خلال اللهجة والموسيقى والسخرية الممتعة، عمل ناقد مشاكس ابتعد عن السجن والذنب وطلب المغفرة الى تفكيك ظاهرة اجتماعية يعاني منها التونسيين، ظاهرة اصبحت بمثابة السمّ الذي يتجرعه الشباب يوميا الى حين انتهاء الرحلة.

المسرح حلمة وإصلاح
«لو يتركوني في نادي المسرح لأيام لن أملّ هكذا قال في يوم الندوة المخصصة للمسرح في السجن، تونسي ومبدع ويكتب الشعر كان فوق الركح في العام الفارط كان خلف القضبان ليكون اليوم فوق الركح حراّ طليقا لكنه أصرّ على مواصلة الصعود على الركح صحبة اترابه وحين سئل لماذا؟ اجاب «المسرح حلمة، في الحبس اكتشفت قدرتي على التمثيل وموهبة الكتابة، ولا اريد قتل هذه الموهبة، على الركح تعلمت معنى الإرادة والحلم لذلك أريد المواصلة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115