وهي في النهاية من المعاني التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل للإنسان سبيلا إلى معرفتها، عرف ذلك من عرف، وجهله من جهل، وكابر فيه من كابر، قال تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (الإسراء:85).
ولفظ الروح ورد في القرآن الكريم في ثلاثة وعشرين موضعاً، وردت جميعها بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه ينزل الملائكة بالروح من أمره» (النحل:2). ولم يرد لهذا الاسم صيغة فعلية في القرآن. أما قوله سبحانه ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (النحل:6)، فهو مأخوذ من راح يروح: إذا رجع وهو مقابل لـ غدا يغدو: إذا ذهب. وعلى هذا أيضاً قوله عز وجل ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر (سبأ:12).
ولفظ الروح ورد في القرآن على عدة معان، نذكر منها:
- الروح بمعنى الحياة التي يكون بها قِوام الكائنات، ومنه قوله تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي (الإسراء:85)، فُسِّر الروح في الآية هنا على أنه العنصر المركب في الخلق الذي يحيا به الإنسان. قال الشوكاني: «اختلف الناس في الروح المسؤول عنه، فقيل: هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين».
- الروح بمعنى مَلَك من الملائكة، ومنه قوله تعالى: يوم يقوم الروح والملائكة صفا (النبأ:38)، قيل في معنى الآية: إنه ملك من الملائكة. ومال ابن كثير إلى أن يكون المقصود بـ الروح في الآية بني آدم.
- الروح بمعنى القرآن والوحي، ومنه قوله تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا (الشورى:52)، قال ابن كثير: يعني القرآن. ونحوه قوله سبحانه» ينزل الملائكة بالروح من أمره (النحل:2)، قال القرطبي: الروح: الوحي.
- الروح بمعنى جبريل، ومنه قوله تعالى قل نزله روح القدس من ربك (النحل:102)، يعني: جبريل عليه السلام.
- الروح بمعنى النصر، ومنه قوله تعالى وأيدهم بروح منه (المجادلة:22)، قال الشوكاني: قواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا، وسمى نصره لهم روحاً؛ لأن به يحيا أمرهم.
- الروح بمعنى الرحمة، ومنه قوله تعالى ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» (يوسف:87)، قال قتادة: أي: من رحمة الله. ومن هذا القبيل قوله سبحانه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه (النساء:171)، قيل في معنى الآية: معناه في هذا الموضع: ورحمة منه. قالوا: فجعل الله عيسى عليه السلام رحمة منه على من اتبعه وآمن به وصدقه؛
لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد. وهذا على قول في معنى الآية.
- الروح بمعنى الراحة من الدنيا، ومنه قوله تعالى: فروح وريحان وجنة نعيم (الواقعة:89)، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: فراحة من الدنيا.
- الروح بمعنى القدرة الإلهية على الخلق، ومنه قوله تعالى فإذا سويته ونفخت فيه من روحي (الحجر:29)، أي: إن الإنسان مخلوق من خلق الله وكائن بقدرته.
هذه أهم المعاني التي ورد عليها لفظ الروح في القرآن الكريم، والمهمّ في هذا السياق أن ندرك أن معرفة حقيقة الروح ليس لأحد من سبيل إليها، بل هي مما اختص الله سبحانه بعلمها.