وسلم خلقه القرآن، كما ورد في الحديث. فمن صفات القلب السليم أن يكون عامراً بالإسلام، ومتزيناً بخلق القرآن، فإن لم يكن كذلك، فلا يصح أن يوصف بكونه قلباً سليماً.
ومما يحسن أن يقال هنا: إن القلب السليم هو القلب السالم عن كل ما يضر الناس، وقد ورد في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» متفق عليه.
فتحصل من مجموع ما تقدّم: أن قلب المؤمن يجب أن يكون سالماً من الكفر ومن الشرك ومن الشك ومن الريبة والتردد والفراغ. وأن القلب المملوء كفراً مهما تصرف صاحبه بشكل إنساني فلن يكون قلباً سليماً؛ لأن القلب الخالي من الإيمان لا يعرف طريق الخير، وإن عرفه فهو يسلكه لمصلحة مرجوة، ظاهرة أو باطنة. فبدون الإيمان تكون صور الخير والجمال
والفضيلة: إما كذباً، وإما شيئاً مؤقتاً، أي فهو خال من أي قيمة حقيقية.
وقد نسمع من بعض الناس يقولون: «إن قلبي نظيف؛ لأنني أحب الناس كثيراً، وأسعى إلى مساعدتهم»، وهذا عند التحقيق والتدقيق كلام لا معنى له؛ ذلك أن القلب الذي سكنه الإلحاد والإنكار، وعشعش فيه أنى يكون قلباً سالماً وسليماً؟!
ثم ها هنا بعض فوائد حول القلب السليم نذكرها تكميلاً للفائدة:
الفائدة الأولى: أن قوله تعالى: {بقلب سليم} جمع جوامع كمال النفس، وهذه الجوامع مصدر محامد الأعمال. وفي الحديث: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» متفق عليه. ذكرها قال ابن عاشور.
الفائدة الثانية: أنه يلزم من سلامة القلب من الشرك والشك...اتصافه بأضدادها، من الإخلاص والعلم واليقين ومحبة الخير وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله، وهواه تابعاً لما جاء عن الله. ذكرها الشيخ السعدي.
الفائدة الثالثة: أن القرآن الكريم وضع القلب السليم مقابل المال والبنين، ولهذا دلالته؛ وذلك أن كثيراً ما يكون المال وكذلك البنون حاجزاً بين الإنسان وبين سلوك سبيل الرشاد، وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى محذراً ومنبهاً: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا} (الكهف:46). وقال تعالى: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} (الأنفال:28).
وختام القول: إن الاهتمام بالقلب أمر غاية في الأهمية، وقد غفل عنه كثير من الناس، وليس يخفى أن التوجه إلى هذا القلب إصلاحاً ومراقبة وتصحيحاً، كي يغدو قلباً سالماً وسليماً، أمر مما لا ينبغي أن يُغفل عنه.