دعاء ومعنى: اللهم احفوني بالإسلام قائمًا - 1 -

كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدعو رَبَّه في كلّ أوقاته، ويُناجيه في جَميع حَرَكَاتِه وسَكَنَاتِه،

لذلك لاَ يَغيبُ بارِئُهُ عَن فؤادِهِ الشَّريف في أيّ لحظةٍ مِن لحظاته، وعلى آلِهِ وصَحَابَتِه الكرام الذين اهتدوا بملاقاته وارتقوا بهَديه وتَعليمَاتِه. 

هذا دعاءُ يَرويه سيدنا عبد الرحمن بن أبي ليلى، أخبره به ابن مَسعود، رَضيَ الله عَنه، عَن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يدعو : «اللهم احفظني بالإسلام قائمًا، واحْفَظْني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تُشْمِت بي عَدُوًّا حَاسدًا، اللهمّ إني أسألك من كلِّ خَيرٍ خزائنُه بيدك، وأعوذ بك من كل شرٍّ خَزائنه بيدك».
وذَكرَ علماءُ الحديث أنَّ هذَا الحديثَ صحيحٌ عَلَى شَرط البخاريّ، ولم يُخرجه الشيخان.

وفي هذا الحديث أقسام ثلاثةٌ: طلبٌ للحفظ وسؤالٌ لخيرات الله واستعاذة من الشرّ. فيكون بذلكَ جامعًا مانعًا لألوان العبودية وكيفياتها فألوان الإيمان في قلب المؤمن لا يَنبَغي أن تخرجَ عَن الدعاء والسؤال والاستعاذة.

ففي بدايته، يَطلُبُ الحَبيب صلى الله عليه وسلم، من حبيبه تعالى أن يحفظه بالإسلام قائمًا وقاعدًا وراقدًا ومعناه أن يكون المصطفى متحليًا بالإسلام وما فيه من التعاليم العالية والأحكام الزاكية في جميع أحواله ونظير هذا ما روته أم المؤمنين السيد عائشة التي تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله فى كل أحواله»، ومثاله أيضا من القرآن قولُ الله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الْغَافِلِينَ وأورد عمدة المفسرين الشيخ ابن عاشور في شرح هذه الآية: «أُمِرَ الرسول بأن يذكر الله ما استطاع وكيفما تَسَنَّى لَه، وفي أوقات النهار المختلفة، والمعنى: اذكر ربك وأنت في خلوتك كما تذكره في مجامع الناس. والذكر حقيقة في ذكر اللسان، وهو المراد هنا، ويعضده قوله: «ودونَ الجهر من القول»، وذلك يشمل قراءة القرآن وغيرَ القرآن من الكلام الذي فيه تمجيد الله وشكره ونحو ذلك، مثل كلمة التوحيد والحوقلة والتسبيح والتكبير والدعاء ونحو ذلك. وقوبل التضرع هنا بالخيفة وكُنِيَ بها هنا عن الإسرار بالقول مع الخوف من الله، فمقابلتُها بالتضرع طباق في معنيي اللفظين الصريحين ومعنييهما الكنائيين، فكأنه قيل تضرعاً

وإعلاناً وخيفة وإسراراً. وقوله: ودون الجهر من القول هو مقابل لكل من التضرع والخيفة وهو الذكر المتوسط بين الجهر والإسرار، والمقصود من ذلك استيعاب أحوال الذكر باللسان، لأن بعضها قد تكون النفس أنشط إليه منها إلى البعض الآخر. و(الغُدو) اسم لزمن الصباح وهو النصف الأول من النهار. و(الآصال) جمع أصيل وهو العشي وهو النصف الثاني من النهار إلى الغروب». انتهى كلام الشيخ بتلخيص.

وما يلفتُ النَّظر أنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم، يدعو الله أنَّ يَحفظه بالإسلام في كلّ أحواله إذ لا حفظَ يُرتَجَى خَارج الهدي الرباني والحكمة الإلهية التي تجسَّدَت في الإسلام بمعناه الشامل عقيدةً وشريعةَ وإحسانًا.
هذا والحفظ لفظٌ قرآني مَجيد وَرَدَ مثلا في قوله تعالى: فالله خير حَافِظًا أي خير حفظاً من الناس فمن حَفظه الله سَلم وإن لم يحفظه لم يسلم. وأعظم الحفظ ما يكون في الدين، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «مَن أَصبح وكانت الآخرة همه جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة». هذا وحفظ الله لعبده نوعان : حفظه في مصالح دنياه كبدنه وأهله وولده وماله : قال تعالى: لَه معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115