المسرحية الليبية «مشاهد لم تكتمل» لوسيم بوريص ضمن «مهرجان4/4» هل سيزهر الربيع في ذاك المسمّى وطن؟

هل انصفتنا الثورات؟ هل حقا ما نعيشه هو الربيع؟ هل الحرب في ليبيا ربيع؟ هل أزهر الربيع في

سوريا بعد النووي و رائحة الموت؟ هل أينعت زهرات البهاء في اليمن بعد إعلان الربيع؟ وهل مصر خرجت سالمة من تأثيرات الربيع وهل تونس تعيش بهجة الربيع ؟ اسئلة يطرحها الممثلون في عمل مسرحي موجع ينبش في الذاكرة العربية وقضايا الربيع العربي.
اسئلة موجعة اتقنت فرقة الركح الدولي طرحها في عمل من اخراج وسيم بورويص وتمثيل حاتم قرقوم وسهى الهوني ومحمود الورفلي وزهرة يوسف واحمد المطردي، عمل ليبي النص والفكرة والاداء وانساني الموضوع.

السنوغرافيا لفكّ شيفرات العمل
اللون الاحمر يتوسط الركح حمرة الدم منتشرة تملأ المكان كأنها إعلان عن حكاية دموية أو هي رحلة وسط الدماء لمحاولة اكتشاف بعض الحقائق، الموسيقى مبهمة موجعة كأنها لحظات النواح وانين الوجيعة، أربعة ممثلين يجلسون على حافة الركح يحملون جماجم بشرية كل منهم يحملها بطريقة تبرز الكثير من الوجع و الحب.

كرسي يتوسط المكان يبدو ككرسي الملك والعرش، تتغير الموسيقى ويصبح الضوء أصفر مزعجا كأنه عنوان للسؤال، يصعدون إلى الركح ويضعون تلك الجماجم على أعمدة تحيط بالكرسي ثم يدخلون محمّلين بالشموع وأثواب بيضاء كناية عن الكفن ويسجدون لها مع صوت لموسيقى تقرب من تهاليل الصوفيين، مشهد هو تجسيد لمن يقبلون على الموت ويعظمون شان الموتى الذين وان ماتوا يظلون متحكمين بمصير الشعوب تماما كما اغلب حكام الدول العربية.

مشهد نقدي ساخر ممن يتناسى الحياة ويقبل على الموتى يطيع أوامرهم وتوصياتهم، تحدث الجلبة كما اضطرابات عاشتها كل الدول العربية على حدّ السواء، تزداد الحركات اضطرابا، ترتفع الموسيقى لتصبح كما نفير الحرب ليدخلوا محملين بلافتات كتبت عليها أرقام ومنها 17 /02 وهو تاريخ انداع الثورة الليبية و 25 /01 تاريخ اندلاع الثورة المصرية وارقام اخرى جميعها تحيل الى تواريخ الحركات الثورية في الدول العربية، ارقام مكتوبة على الورق توضع بكل لين ويتم السجود لها في اشارة الى صعود حكام جدد أغلبهم أكثر بؤسا من سابقيهم.

مشاهد لم تكتمل مشاهد نعايشها وقصص نكتبها لم نستطع إنهاء أحلام شباب بالحرية قصفت قبل التحرر آمال صغار بالسلام لم يروا منها سلاما، فقط وجيعة يجسدها الممثلون بكل صدق على خشبة المسرح وسيلتهم للتعبير والتمرد أعوام من العتمة، أكواب نستقيها فارغة، عنوسة قبل البلوغ، حقائب من الندم، ذكريات لم تحدث، وهم يتحقّق، سرداب للاحزان» كما يقول نص العمل.

في مسرحية «مشاهد لم تكتمل» يكون للسينوغرافيا دورها في ايصال مجموعة من الشيفرات الضوء والموسيقى مع حركات اجساد الممثلين لغة التعبير ، لغة ولغة تعرية حقائقنا في كلّ المجتمعات العربية، السينوغرافيا بما هي جمع المشهدية بالتصوير، و هي العلم الذي يهتم بتأثيث الخشبة الركحية وهندسة الفضاء المسرحي من خلال توفيرانسجام متآلف بين ما هو سمعي وبصري وحركي ابدع في تصميمها السينوغراف عوض الفيتوري من خلال لعبة الضوء وحركية الشموع في انطفائها كما الرغبة والامل واعادة اشعالها كل فينة كانه اعلان انّ الامل في النجاة لا يموت فالمسرح باق بقاء محبيه ومحبي الحياة.

الخشبة واجساد الممثلين صوت وجع الوطن
مميزة هي الموسيقى التي صاغها انيس العريبي خصيصا للعرض، مشاهد لم تكتمل مشاهد ظلت ناقصة تنقصها آلاف الحكايا لتكتمل الصورة فالربيع لم يزهر بعد و الدماء لم تجف بعد و الشباب الذي نادى بالحرية حلم بالهروب اكثر من مرة ومن رفعوا شعارات حبّ الحياة قصفت داعش وتيارات الموت هتافاتهم واعمارهم، مشاهد تلخص ماعاشته الدول العربية من خلال حركات الممثلين فالنص قليل جدا لكن لغة الجسد كانت الطاغية اجساد الممثلين كانت وعاء للحرية للتمرد ولنقل وجيعة الوطن.

أجسادهم تنتفض احتجاجا، أجسادهم تنقل الأحلام، أجسادهم تكتب تباشير الفرح ونظرات العيون وتعابير الوجه تبدع في رسم مشهد درامي يلخّص الوضع والوجع معا.

مشاهد لم تكتمل عمل نقدي موجع عمل يضعك امام ذاتك عاريا من كل الشعارات لتتساءل عن الربيع العربي في ليبيا؟ لتبحث عن اثار هذا الربيع؟ في التهجير ام في القتل ام في داع شام في صوت الرصاص؟ عمل يجرّدك من كل ثياب الكذب واخفاء الحقيقة ليضعك عاريا امام الاسئلة تبحث عن اجابات علّك تجد القليل من الامان.

لغة الجسد كانت الطاغية، حركات الاقدام و تعابير الوجه واللوحات الكوريغرافية لخّصت الاف الكلمات العالقة في الحناجر، عمل موجع يقلق المتفرج ليدفعه الى السؤال ويسكنه بالرغبة في البحث.

عمل يقوم على الترميز في كثير من المواقف ومنها ان جميعهم يلبسون «ماسك» ابيض» وعلاقة «قاطع ومقطوع» توضع على الفم كانه دليل لتكميم الافواه ثم يتقدمون الى الركح ويضعون اشارات «لا ارى ، لا اسمع، لا اتكلم» ومن يحاول الكلام «يشيرون بالبنصر الى عملية الذبح، مشهد يرمز الى كذبة «حرية التعبير» فمن يخالف راي الحاكم او صاحب السلاح يكون مصيره الموت.

مشهد رمزي اخر يشير الى تغير الحاكم، فبعد أن كانوا يسجدون للاشيء لكرسي فارغ، يأتي أحد الأصدقاء ويعتلي ذاك الكرسي ليصبح اكثر تجبرا ويضع الاغلال في الاعناق مشهد يرمز الى جبروت الحكام فللكرسي سحره وامام سطوة السطلة تنتفي كلّ التعاليم الإنسانية.

الموسيقى تكون عنوان الحرب واشارة الى الاضطراب وحوارا بين شخصين يقول الاول «وجب الرحيل» فيجيبه الثاني «لكن سيدي طلبوا الكثير وهو من المال العام» لتكون الاجابة «ادفع لهم فليمت الكثير لنعيش نحن» وهذا شعار اغلب من حملوا السلاح ليعيشوا هم لا غير.

نقد وتعرية للواقع عبر سلطة الفنّ الرابع وقداسة الخشبة، ممثلون شباب عشقوا هذا الفن وابدعوا في تجسيد الشخصيات تعابير وجوههم موجعة كما النص وحكاية الوطن الذي بات كلعبة بيد الميليشيات «استمر الربيع في ذاك المسمى وطن، هناك تعلمنا تبديل القناع، تعلمنا ان نسلّ الشوك من الحرير، في ذاك المسمى وطن اكلوا الحديد والنحاس والتراب، في ذاك المسمى وطن شيخ العشيرة يرتدي ثوب المقاتل، والاكثر قبحا يتحلّى بالوجاهة في السفارات والقناصل، في ذاك المسمى وطن رايت صعاليك القوم ينادون باسم الخلافة» هكذا يقول النص الذي يلقيه الممثل المتميز قرقوم وهو من سمات قوة العرض لانه يتقن جيدا لغة الجسد وحركات جدّ دقيقة ويواصلون السؤال عن الخلافة اهي ان نجد خبزا ام نرسل الى سوق النخاسة؟، اسئلة تطرحها المسرحية الليبية، ولدت من واقعهم المعيش ولدت من صوت الرصاص واثار الخراب ووجيعة الوطن المفقود فهل سيزهر الربيع في ذاك المسمّى وطن، اقصد كان وطنا ايها السّاسة؟».

وسيم بورويص: مخرج مشاهد لم تكتمل:
بؤكد وسيم بورويص مخرج العرض وكاتب نصّه انّ العمل من انتاج فرقة الركح الدولي التي تأسست في 2016 قدمت ستة أعمال مسرحية متحصلة على 13جائزة عربية ودولية وفي رصيدها عملان هما مسرحية «الرحلة» و«مشاهد لم تكتمل» الذي حصد 6جوائز منها افضل ممثل مناصفة بين ممثلتي العمل وافضل موسيقى وانتقلنا به الى «فاغا» (باجة) وتحصل على جائزة العمل المكتمل.

وعن العمل يقول محدثنا «مشاهد لم تكتمل هي مجموعة مشاهد انطلقت منذ الربيع العربي كنت غاضبا من الثورة ولست رافضا لها غاضبا للطريقة التي أمست عليها حاولت ان اسرد بعض المشاهد التي ظلت راسخة في ذهني وذهن المواطن الليبي،واسبابها عديدة منها التدخلات الخارجية المجموعات الإسلامية و السياسية وضعناها على الركح وطرحنا الاسئلة.

وبخصوص المشهد المسرحي ببن غازي يجيب إنه لم يتوقف لازلنا نتابع رسالتنا المسرحية، في السابق كان كلاسيكيا موجها وكلاسيكي في السنوات الماضية اصبح يتحول إلى مدارس أخرى ودخلت الكوريغرافيا والميم والكوميديا دي لارتي،المسرح الليبي يتطوّر تدريجيا ونرجو ان يصبح في مصاف المسرح العربي.
وعن حضور المرأة في المشهد المسرحي يقول بورويص «المرأة محاربة في الفن وفي الاونة الاخيرة بدا دخول واقتحام المرأة للمجال الفني المسرحي والدرامي والموسيقى لها وجودها ولها دورها الفعال.

وفي اهمية الفنون يؤكد بورويص انّ الفن يقاوم هو المتنفس والتفريج عن الهمّ هو خاطرة الفنان والمسرح والفن هو الجمال وسط الحروب والدمار ونحتاج جمال الفن وسط المعاناة، مضيفا انّ المتلقي الليبي يقبل على الفن اذكر مسافة شارعين هناك حرب وكنا نعرض امام جمهور غفير، المتفرج اللبيبي يقبل على الفنون وهناك جمهور دائما متعطش للفنون.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115