نظمت الفنانة نادية هماني الماجري معرضا بالمساحة الحرّة لفضاء التياترو امتدّ من 5 إلى 18 فيفري 2019.
... على حافة البصر , أو فنيات الافاقة على التفكير بزوايا الابصار للوحات الواقع بكلّ تناقضاته وجمالياته, بكل تظافر عناصر الرؤية و تشظّيها ... على حافة البصر أو الرؤية الحاملة لرؤيا الواقع بتوجيه الفكر الراقي في تصوير مشاهد الحياة بدلالة الصورة الفوتوغرافيّة : على حافة البصر هي مقاربة تشكيلية حول مفهوم الخداع البصري كرؤية كاذبة لإعادة عرض أو تمثيل الواقع كما حدّدته الدكتورة نادية هماني الماجري .
لقد كان رهانها ، التحدي الحقيقي في عملية السعي كشفا عن وسائل مفهوم التسطيح في التعبير عن اللوحة ثنائية الأبعاد. ففي مرحلة أولى استندت إلى التنظيم المادي في الفضاء في شكل تنصيبات زائلة. وفي مرحلة ثانية قامت بتحريك هذه الألعاب المشهدية للعناصر الملموسة في سجل الفضاء الواقعي من خلال تصور بلاستيكي تشكيلي من جهة وانعكاس فوتوغرافي من جهة أخرى لتتشكل اللوحة عن طريق نزوح مكوناتها وتزاوج الصورة الفوتوغرافية بالنظر واستبدال التكوين التشكيلي قطعا و فكّا و تأطيرا لإعادة الصوغ من جديد . و قد حاولتْ أن تلفِتَ نَظرَ المُشاهِد المُتلقِّي إلى قوام الأجسام، إلى الألوان الصَّارخة المستعملة , وفي نفس الوقت تحويل معرفة المتلقي مَعرفتَه لمعنى اللّوحة بالتخلّي والتنازل عن هذا المفهوم برؤية مُغايرة. و لم يكن رهان نادية الفنّانة الاكاديميّة سِوَى دمجِ التصوير الضوئي والرسم في تراسل ما بين الأنماط الفنية, توظيف الوحدات الهندسية، وتنويعا في الدرجات اللونية لمختلف المواد والوسائط وخصائصها: أقمشة وخشب وحديد وهياكل لسيارات وزجاج ومختلف ملامسها مما يسمح ذلك بتأويلات مختلفة.وبفعل التراكب والتراكم كان الفضاء التّشكيلي خلق لطريقة مغايرة تسمح بإيجاد محامل جديدة .
و صفوة القول انّ الفن المعاصر لا يعطي إجابات جاهزة بل يثير ماهية العمل الفني وطرقه وتمظهراته وتقنياته. الفن المعاصر هو مكسب للانزياح عن السّائد و تصوّر لرؤية فنية مغايرة غير مألوفة , فالفوتوغرافيا اليوم زاد الاهتمام بها وبحضورها في الساحة الفنية.
هكذا حاولتْ انْ تُمَكِّنَ المشاهدين القراء ان يعيشوا تجربة مشتركة لِواقع مزدوج اثارةُ « الخداع البصري» فيه تكون بطريقة مختلفة تؤسس للتفكير الجمالي بالصّورة الفوتوغرافيّة .
و كان للحضور من أهل الفنون و من تأنّس بجمال الصورة و تنوع شجرة أفنان الفنون مقاربات تحكمها خمائر نظريّة توجّه هذه القراءة أو تلك فالفنّانة ألفة جمعة وهي مساعد تعليم عالي جعلت من لوحات الأستاذة نادية دليل سفر في مكان واحد، قائلة:» تكوّنت بيننا علاقة يتعذر تفسيرها، أقصد بيني وبين هذه الصور، فهي تأبى أن تختصر في تجربة فوتوغرافية بحتة أو تشكيلية صرفة. تتجلى لي فيها لغة ثانية، تثري المشهد المتوحد بين خيال و واقع،وليس هذا سوى الانطباع الأول. ومن النظرة الأولى أخذ الحوار بيني وبين الصور يتواصل، لا وفقا لنظامها في الترقيم في العرض، بل ضمن عفوية تبحث عن دليل سفر، خريطة للتسكع في مكان واحد.كنت أحاور ألوانا لم تتصل بإيقاع الفرشاة أو وساطتها قبل ان تقبع في خلفية اللوحة، بل تمكنت من الولادة في العدسة. كما أنها كانت ولادة غير شرعيّة.
ما الرّسم كنت أتساءل في ذات نفسي بين وقت وآخر، فيما يشبه التردّد والشّك. ذاك السؤال الذي يسكن الفنّان ويؤرقه ولا يغادر إلا عند اختلائه بالألوان، فيسألها لتجيبه بمراوغتها المألوفة بإجابات تزيد عطشه لمساءلات أخرى...ذاك الحال بالنسبة للمنحوت، للمنقوش، للمكتوب، للمغنى...جمال يرى أو يسمع ولا يعلّم شيئا، ليس سوى جزء للحظة تناغم الفنّان مع قدره وحيرته، ولا يتوقف هذا على مجرد لذّته الخاصة.قلّة هم الّذين يفهمون هذا الجدل، وأكثر سهولة أن يختصر الخطاب في لون أو في كلمة. الجمال هنا هو الكينونة هذه اللحظة التي و صفتها سابقا، تمكن الضوء و الظل من صنعها في خفاء في معرض ,أرى هذه الصور مفتوحة للقراءة، للتجدّد، للزّيارة مرّة أخرى، فهي ثرثارة، وكلما زادت تعابيرها زادت رغبتنا في محاورتها، فهي مجموعة لا مفردة، موضوعيّة في ذاتيّتها، متفرّقة في إنتاجها، شاملة في خصوصيّتيها. ومن غرابة تفرّقها واجتماعها تكاد تتشابه بعمل كرسي واحد وثلاثة كراسي لجوزيفكوسث، فجمع هذا العمل لثلاث تمثلّات مختلفة تحمل ذات المسمّى وهو الكرسيّ واجتماع العمل في نقطة المفهوم تجتمع أعمال هذا المعرض المتفرقة في نقطة واحدة و هي المكان نشاهد هنا كيف استطاعت الفنانة تحويل الخيال إلى مادة، عبر خامات ملتقطة في مكان واحد و من ثمّة لتكون و لتُكوّن خيالا اخذت لالتقاء خيالها و واقعها، بحثها و حاضرها ممّا يدفع كل مشاهد إلى التأمّل في جماليّة كل مايعترض واقعه، مكانه ....أوليس هذا هدف الفن ؟ ألوان هذه الصور تترنح بين همسة وصرخة توقفنا، وإن صحّ، تعيدنا إلى قراءةجديدة، تعيدنا إلى مستقبل رؤية أخرى للفوتوغرافيا الإبداعية هنا لا تقاس بمقياس مدى خبرة الفنان، لقد أغمضنا أعيننا عن واقعيّة الصورة وأخذتنا بطواعيّة إلى عالم الفنانة التشكيليّة تحرّكنا بتحرّكها، نشاهدالبحر كحرية بلا قيد، أو كعمق وغرق أيضا، تراود الأبيض والأسود كمجرد جغرافيّة، متاهة، تجاهر بألوان صارخة تمثّلا لجرأة وشجاعة.ليس الفنّ سياسة. ليس الفن مفهوما
مبهما. ليس قانونا لاهوتيّا أو علميّا. هو إنسانيّ شامل لامسه كل من وعى أنه خطير و فقه لغته كل من أسّرو أجهر في صمت خارج إطار- وفي معاداة صريحة – لكل ما هو متعارف عليه.على هذه الوسوسة نغادر معرض نادية هماني و نحن نتساءل كيف تمكّنت من ردم الهوّة بين الرسم والفوتوغرافيا؟؟
أمّا الدكتور فاتح بن عامر فقد أبصر بعين لا تنضبط للعلوم الصحيحة ولا للعلوم الانسانيّة في شيء فالعين ـ في نظره ـلا تأتمر بأمر، والعدسة للعين قريبة تشاكسها وتنافسها وتقودها حيثما حلت. لكنّ العدسة والعين في شراك الحدس تلتقيان، فلا رياضيّات تعطي موزانة ولا فلسفة تعقلن فعلا. العين والعدسة والحدس في شراكة أبديّة خارج المنطق الريّاضي والسياق الفلسفي. بهذا تتأطّر لعبة العشق المخاتل، الّذي تقع فيه مفاصل الحسّية الجماليّة فتملي على صاحب العدسة اختيارات العين فيما اقتنصت وإلى ما انتبهت وبالزرّكما بالزّناد يثبت المشهد في ثوان.اختارت نادية هماني أن يكون الجزء بديلا عن الكلّ ودليلا على المشهد مااختارت أن يكون التّوجيه التأطيري للعدسة توجيها يلتزم التّصوير بمعنى الرّسم بالأدوات المعتادة، وكأنّما الفراشي والألوان في اليد- العين في امتداد وتراسل.وبهذا تجنّبت الحكاية والسّرد وقدّمت التّشكيل على التسجيل وأودعت الحدس بين يدي العدسة فاستقامت الصّور إلى أجزاء مكتملة في كيانيّة تشكيليّة مرهفةالاختيار. وفي هذه الأعمال اقتراح يرنو إلى توليف الثقافة التشكيليّة مع المعطى الفوتوغرافي الضّوئي أساسا ضمن أعمال التزمت الانسلاخ من موضوع الصّورة للالتحام بتقنية التصوير المركّز على تفاعلات المتوفّر من الألوان والأضواء والظلال كي تكون الصّورة تبليغا عن اختيارات فنيّة تشي بحسيّةعالية الجودة في الاختيار.في الصّورة الفوتوغرافيّة الّتي تقترحها نادية هماني مبحثا مهما يسائل البصر المشدود إلى ما لا تنتبه العين في اعتيادي الإبصار والتلقي، فيترجم مقاربة توّاقة إلى الابتعاد عن الواقع بصياغة القرب كمعادل مفارق في لعبة التأطير والتّكبير والتّركيز على البؤر المختلفة. لذلك تصوغ الصّور رؤية للواقع لا ذهنيّة، بل حدسيّة تقوّم وتقاوم الرّتابة بصمت وتبصّر. بهذا يكون الواقع أقرب إلى ذاته في موضوعيّة أنيقة.
هكذا نظر الحضور بحافات بصرهم لمعرض نادية هماني على حافة البصر طلبة يبصرون واقعا له من الدلالات الحافّة ما للكلام من المعاني الثواني , و دكاترة من قامات معاهد الفنون و المهن يرتقون بقراءة الصور من حَرْفيّة الفوتوغرافيّة الى عمق دلالة الصّورة تلميحا و تلويحا و ترميزا , و زوار عاديون بهرتهم الصور في لَبُوس من الألوان و الأشكال بقدر تجذّرها في تربة الواقع بقدر ترقّيها الى مصّاف الرؤى السيميائيّة .
هكذا جاءت لوحات الدكتورة نادية مظروفة في غير ظروفها تلعب لعبة التخفّي و تحكمها جدليّة السياق والاطلاق ليست أرضها كسمائها , قالب صورها واقعيّ وقلبُها انساني مطلق ينشد الجمال في القبح و التناغم في التنافر ... أوليس الفنّ اعادة تشكيل الكون من جديد ؟؟؟